وتوسَّط بعضهم فقال : التي للتبرئة نصٌّ في العموم، وتلك ليس نصَّاً.
والظاهر أنَّ النكرة في سياق النفي مطلقاً للعموم، وقد تقدَّم معنى الرَّفث فى قوله :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ] قال ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر : هو الجماع، وهو قول الحسن، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وقتادة، وعكرمة، والنخعي، والربيع.
وروي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : الرَّفث : غشيان النساء، والتَّقبيل، والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام.
وقال طاوسٌ : هو التَّعريض للنساء الجماع، وذكره بين أيديهنَّ.
وقال عطاءٌ : الرَّفث : هو قول الرجل للمرأة فى حال الإحرام : إذا حللت، أَصَبْتُكِ.
وقيل الرَّفث : الفحش، والفسق وقد تقدم فى قوله :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين ﴾ [ البقرة : ٢٦ ]. وقرأ عبد الله « الرَّفُوث » وهو مصدر بمعنى الرَّفث.
وقوله :« فَلاَ رَفَثَ » وما في حيِّزه فى محلِّ جزمٍ، إن كانت « مَنْ » شرطيةً، ورفع، إن كانت موصولةً، وعلى كلا التقديرين، فلا بدَّ من رابطٍ يرجع إلى « مَنْ » ؛ لأنها إن كانت شرطيةً، فقد تقدَّم أنه لا بدَّ من ضمير يعود على اسم الشرط، وإن كانت موصولة، فهي مبتدأ والجملة خبرها، ولا رابط فى اللَّفظ، فلا بدَّ من تقديره، وفيه احتمالان :
أحدهما : أن تقديره : ولا جدال منه، ويكون « منه » صفَّة ل « جِدَال »، فيتعلَّق بمحذوف، فيصير نظيره قولهم :« السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ » تقديره : منوان منه.
والثانيك أن يقدَّر بعد « الحج » تقديره : ولا جدال في الحجِّ منه، أو : له. ويكون هذا الجارُّ في محلِّ نصب على الحال من « الحج ».
وللكوفيِّين في هذا تأويل آخر : وهو أنَّ الألف واللام نابت مناب الضمير، والأصل : في حجِّه، كقوله :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [ النازعات : ٤٠ ] ثم قال :﴿ فَإِنَّ الجنة هِيَ المأوى ﴾ [ النازعات : ٤١ ] أي : مأواه.
وكرَّر الحجَّ؛ وضعاً للظاهر موضع المضمر تفخيماً، كقوله :[ الخفيف ]
٩٩٢ - لاَ أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ | .......................... |
والجدال مصدر « جَادَل ». والجدال : أشدُّ الخصام، مشتقٌّ من الجدالة، وهي الأرض؛ كأن كلَّ واحد من المتجادلين يرمي صاحبه بالجدالة.
قال القائل :[ الراجز ]
٩٩٣ - قَدْ أَرْكَبُ الآلَةَ بَعْدَ الآلهْ | واتْرُكُ العَاجِزَ بالْجَدَالَهْ |
وقال القائل :[ الكامل ]
٩٩٤ -....................... | يَهْوِي مُحَارِبُهَا هُوِيَّ الأجْدَلِ |
فصل
قد تقدَّم أنّ الفسق : هو الخروج عن الطَّاعة، واختلف المفسرون فيه، فحمله أكثر المحقِّقين على كلِّ المعاصي، وهذا قول ابن عباس - رضي الله عنهما -، وطاوس، والحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة، والزهري، والربيع، والقرظي، قالوا : لأنَّ اللفظ صالحٌ للكلِّ، والنَّهي عن الشَّيء يوجب الانتهاء عن جميع أنواعه؛ ويؤكده قوله تعالى