﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ [ الكهف : ٥٠ ]، وقوله :﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان ﴾ [ الحجرات : ٧ ].
وذهب بعضهم إلى أنَّ المراد منه بعض أنواعه، ثم ذكروا وجوهاً.
أحدها : قال الضحّاك : المراد التنابز بالألقاب؛ لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان ﴾ [ الحجرات : ١١ ]. والثاني : قال عطاء، ومجاهد، وإبراهيم النخعي : المراد السّباب، لقوله - عليه السلام - « سِبَابُ المؤْمِن فُسُوقٌ، وقِتَالُه كُفْرٌ »
الثالث : أنَّ المراد منه الإيذاء، والإفحاش؛ قال تعالى :﴿ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨٢ ].
الرابع : قال ابن زيد : هو الذَّبح للأصنام؛ فإنّهم كانوا فى حجِّهم يذبحون لأجل الأصنام قال تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ]، وقوله :﴿ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ].
الخامس : قال ابن عمر : هو قتل الصَّيد، وسائر محظورات الإحرام.
وأمّا الجدال : فهو « فِعَالٌ » من المجادلة، الذي هو الفَتْلُ، يقال : زمامٌ مجدولٌ وجديلٌ، أي : مفتولٌ، والجديل : اسم للزِّمان؛ لأنه لا يكون إلاَّ مفتولاً، وسميت المخاصمة مجادلة لأنّ كلَّ واحدٍ من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه. وذكر المفسرون فيه وجوهاً :
أحدها : قال ابن مسعود، وابنُ عباس، والحسنُ : هو الجدالُ الذي يخافُ معه الخروجُ إلى السِّباب، والتكذيب، والتجهيل. وهو قولُ عمرو بن دينار، وسعيد بن جُبَيرٍ، وعِكْرمة، والزهريِّ، وعطاءٍ، وقتادة.
الثاني : قال محمد بن كعب القُرظيُّ : إِنَّ قُريشاً كانوا إذا اجتمعوا بِمنَى قال بعضهُم : حجُّنا أَتَمُّ. وقال آخرون : بل حَجُّنَا أَتَم، فَنَهَاهُمَّ اللَّهُ عن ذلك.
الثالثك قال القاسِمُ بن محمد : هو أنْ يقولَ بعضهُم : الحَجُّ اليَوْمَ، ويقول بعضُهم : الحج غداً، وذلك بأنهم أُمِرُوا بأن يَجْعَلُوا حِسَابَ الشهور على الأهِلَّةِ، فكان بعضُهم يجعلُ الشهورَ على الأَهِلّةِ، وآخرون يجعلونها بالعدد فلهذا السبب؛ كانوا يختلفون.
الرابع : قال مقاتِلٌ، والقفّال : هو ما جادلُوا فيه النبيَّ - ﷺ - حين أمرهُم بنسخ الحج إلى العُمْرَة، إلاَّ مَنْ قَلّدَ الهَدْيَ، قالُوا : كيف نجعلُها عُمْرَةً، وقد سمينا الحج؟! فهذا جِدَالُهم.
الخامس : قال مَالِكٌ في « الموطأ » : الجدالُ في الحج أنَّ قريشاً كانوا يقفون عن المشعَرِ الحَرَامِ في المُزْدَلِفة بقزح وغيرها يقفُ بعرفاتٍ، وكُلٌّ منهم يزعَمُ أنّ موقفهُ موقف إبراهيم، ويقولُ ﷺ نحن أصْوَبُ؛ فقال الله تعالى :﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمر وادع إلى رَبِّكَ إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [ الحج : ٦٧ - ٦٨ ] قال مالكٌ : هذا هو الجِدالُ فيما يُروى والله أعلم.
السَّادس : قال ابنُ زيْدٍ : كانوا يَقِفُون مَواقِف مختلقة، فبعضهم يقفُ بعرفة، وبعضهم بالزدلفة، وبعضُهم حجَّ في ذي القَعْدة، وبعضُهم في ذي الحَجَّةِ، وكُلٌّ يقول : ما فعلتُه هو الصَّوَابُ؛ فقال تعالى :﴿ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج ﴾، أَي : اسْتَقَرَّ أَمرُ الحج على ما فعلهُ الرسولُ - عليه السلام - فلا اختلاف فيه مِنْ بعدِ ذلك، وذلك معنى قول النَّبيِّ - ﷺ -


الصفحة التالية
Icon