﴿ وَلِلَّهِ المثل الأعلى ﴾ [ النحل : ٦٠ ] أي : الصفة التي لها شأن عظيم.
قوله :« مَسَّتْهم البأْسَاءُ » في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أن تكون لا محلّ لها من الإعراب؛ لأنها تفسيريةٌ، أي : فسَّرَتِ المثل وشرحته، كأنه قيل : ما كان مثلهم؟ فقيل : مسَّتهم البأساء.
والثاني : ان تكون حالاً على إضمار « قَدْ » جوَّز ذلك أبو البقاء، وهي حالٌ من فاعلٍ « خَلَوا ». وفي جعلها حالاً بَعْدٌ.
و « البَأْسَاءُ » : اسمٌ من البؤْسِ بمعنى الشِّدِّة، وهو البلاء والفقر.
و « الضَّرَّاءُ » : الأمراض، والآلام، وضروب الخوف.
قال أبو العبَّاس المقريُّ : ورد لفظ « الضُّرِّ » في القرآن على أربعة أوجهٍ :
الأول : الضُّرُّ : الفقر؛ كهذه الآية، ومثله :﴿ وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر دَعَانَا لِجَنبِهِ ﴾ [ يونس : ١٢ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر ﴾ [ النحل : ٥٣ ] أي : الفقر.
الثاني : الضّرّ : القحط؛ قال تعالى :﴿ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأسآء والضرآء ﴾ [ الأعراف : ٩٤ ] أي : قحطوا.
أو قوله تعالى :﴿ وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ ﴾ [ يونس : ٢١ ] أي : قحط.
الثالث : الضُّرُّ : المرض؛ قال تعالى :﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ ﴾ [ يونس : ٢٠٧ ] أي : بمرض.
الرابع : الضر : الأهوال؛ قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ].
قوله :« وَزُلْزِلُوا » أي : حرِّكوا بأنواع البلايا والرَّزايا.
قال الزَّجَّاج : أصل الزَّلزلة في اللغة من زلَّ الشيء عن مكانه، فإذا قلت : زلزلته فتأويله : أنَّك كررت تلك الإزالة فضوعف لفظه بمضاعفة معناه؛ لأن ما فيه تكريرٌ يكرّرُ فيه الفعل نحو : صَرَّ وصَرْصَرَ، وصَلَّ وصَلْصَلَ؛ وَكَفَّ وَكَفْكَفَ، وفسر بعضهم « زُلْزِلُوا » أي : خُوِّفُوا؛ وذلك لأنَّ الخائف لا يستقر بل يضطرب قلبه.
قول تعالى :« حَتَّى يَقُولَ » قرأ الجمهور :« يقولَ » نصباً، وله وجهان :
أحدهما : أنَّ « حَتَّى » بمعنى « إِلَى »، أي : إلى أن يقول، فهو غايةٌ لما تقدَّم من المسِّ والزلزال، و « حَتَّى » إنما ينصب بعدها المضارع المستقبل، وهذا قد وقع ومضى. فالجواب : أنه على حكاية الحال، [ حكى تلك الحال ].
والثاني : أنَّ « حَتَّى » بمعنى « كَيْ »، فتفيد العلَّة كقوله : أطعتُ الله حَتَّى أدْخَلنِي الجنةَ، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ قول الرسول والمؤمنين ليس علَّة للمسِّ والزلزال، وإن كان ظاهر كلام أبي البقاء على ذلك، فإنه قال :« بالرفعِ على أَنْ يكونَ التقديرُ : زُلْزِلُوا فقالوا، فالزَّلْزَلَةُ سَبَبُ القولِط، و » أَنْ « بعد » حَتَّى « مُضْمَرةٌ على كِلا التقديرين.
وقرأ نافع برفعه على أنَّه حالٌ، والحال لا ينصب بعد »
حَتَّى « ولا غيرها؛ لأنَّ الناصب يخلِّص للاستقبال؛ فتنافيا.
واعلم أنَّ »
حَتَّى « إذا وقع بعدها فعلٌ : فإمَّا أن يكون حالاً أو مستقبلاً أو ماضياً، إن كان حالً، رفع؛ نحو :» مَرِضَ حَتَّى لاَ يَرْجُونَهُ « أي : في الحال.


الصفحة التالية
Icon