وقوله :﴿ فانتهى ﴾ نسقٌ على « جاءَتْه » عطفه بفاء التعقيب، أي : لم يتراخ انتهاؤه عن مجيء الموعظة.
وقوله :﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ الكلام على « مَنْ » هذه في احتمال الشرط، والموصول، كالكلام على التي قبلها.
« عاد » أي : رجع، يقال : عاد يعود عوداً، ومعاداً، وعن بعضهم : أنها تكون بمعنى « صار » ؛ وأنشد [ الطويل ]

١٢٥٨- وَبِالمَحْضِ حَتَّى عَادَ عَنَطْنَطاً إِذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الفَحْلِ غَارِبُهْ
وأنشد :[ الطويل ]
١٢٥٩- تُعِدُّ لَكُمْ جَزْرَ الجَزُورِ رِمَاحُنَا وَيَرْجِعْنَ بالأَسْيَافِ مُنْكَسِرَاتِ
والضمير في قوله « فَأمْرُه » يعود على « مَا سَلَف »، أي : وأمر ما سلف إلى الله، أي : في العفو عنه وإسقاط التِّبعة منه. وقيل : يعود على المنتهي المدلول عليه بانتهى، أي : فأمر المنتهي عن الربا إلى الله؛ في العفو؛ والعقوبة.
وقيل : يعود على ذي الرِّبا في أن ينتبه على الانتهاء، أو يعيده إلى المعصية.
وقيل : يعود على الرِّبا، أي : في عفو الله عمَّا شاء منه، أو في استمرار تحريمه.
قال الواحديُّ « السُّلُوفُ » : التقدم، وكلُّ شيءٍ قدمته أمامك فهو سلفٌ، ومنه الأمم السَّالفة، وسالف الذكر، وله سلفٌ صالحٌ : آباءٌ متقدِّمون، ومنه ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ﴾ [ الزخرف : ٥٦ ] أي : أمةً متقدمةً تعتبر بهم من بعدهم، وتجمع السَّلف على : أسلافٍ وسلوفٍ، والسالفة والسُّلاف : المتقدِّمون في حرب أو سفرٍ، والسالفة من الوجه؛ لتقدُّمها؛ قال :[ الوافر ]
١٢٦٠- وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جِيداً وَسَالِفَةٌ وأَحْسَنُهُ قَذَالاَ
والسُّلفة : ما يقدَّم من الطعام للضَّيف. يقال :« سَلِّفُوا ضَيْفَكُمْ، ولَهِّنُوهُ » أي : بادروه بشيءٍ مَّا، ومنه : السَّلف في الدَّين؛ لأنه تقدَّمه مالٌ.
والسَّالفة : العنق؛ لتقدُّمه في جهة العلو، والسلفة : ما قدم قبل الطعام، وسلافة الخمر : صفوتها؛ لأنه أوَّل ما يخرج من عصيرها.

فصل في تأويل ما سلف


قال الزجاج : أي صفح له عمَّا مضى من ذنبه، قبل نزول الآية؛ كقوله :﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ الأنفال : ٣٨ ]، وضعِّف؛ بأن قبل نزول الآية في التحريم، لم يكن ذلك حراماً، ولا ذنباً؛ فكيف يقال المراد من الآية الصفح عن ذلك الذنب مع أنه ما كان هناك ذنبٌ؟ والنهي المتأخر لا يؤثر في الفعل المتقدم! ولأنه تعالى أضاف ذلك إليه بلام التمليك، وهو قوله :﴿ فَلَهُ مَا سَلَفَ ﴾ أي : كلُّ ما أكل من الرِّبا، وليس عليه ردُّه، فأمَّا ما لم يقضَ بعد، فلا يجوز له أخذه، وإنما له رأس ماله فقط؛ كما بيَّنه تعالى في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٧٩ ].

فصل


قال ابن الخطيب - رحمه الله - : في قوله تعالى :﴿ وَأَمْرُهُ إِلَى الله ﴾ وجوهٌ للمفسرين، والذي أقوله : إنَّ هذه الآية مختصةٌ بمن ترك استحلال الرِّبا من غير بيان أنه ترك أكل الربا، أو لم يترك؛ ويدلُّ عليه مقدمة الآية ومؤخِّرتها.


الصفحة التالية
Icon