[ آل عمران : ١٨ ].
والمرتبة الثالثة : الكُتُب؛ وهو الوَحْي الذي يتلقَّاهُ الملك من اللهِ - تعالى -، ويُوصِلُه إلى البشر، فلمَّا كان الوَحْيُ هو الَّذِي يتلقَّاهُ المَلَكُ من اللهِ؛ فلهذا السَّبَب جُعِلَ في المرتبة الثالثة.
المرتبة الرابعة : الرسُلُ؛ وهم الَّذِين يأخذُون الوَحْيَ من الملائكة، فيكونون متأخِّرين عن الكتب؛ فلهذا جعلُوا في المرتبة الرابعة.
قوله :﴿ لاَ نُفَرِّقُ ﴾ هذه الجملة منصوبةٌ بقولٍ محذوف، تقديره :« يقولون : لا نُفَرِّقُ »، ويجوز أن يكون التقدير :« يَقُولُ » يعني يجوز أن يراعى لفظ « كُلّ » تارةً، ومعناها أخرى في ذلك القول المقدَّر، فمن قدَّر « يَقُولُونَ »، راعى معناها ومن قدَّر « يَقُولُ »، راعى لفظها، وهذا القول المضمر في محلِّ نصبٍ على الحال، ويجوز أن يكون في محلِّ رفعٍ؛ لأنه خبر بعد خبر، قاله الحوفيُّ.
والعامَّة على « لاَ نُفَرِّقُ » بنون الجمع.
وقرأ ابن جبير وابن يعمر وأبو زرعة ويعقوب - ورويت عن أبي عمرو أيضاً - « لا يُفَرِّقُ » بياء الغيبة؛ حملاً على لفظ « كُلّ »، وروى هارون أنَّ في مصحف عبد الله « لا يُفَرِّقُونَ » بالجمع؛ حملاً على معنى « كُلّ » ؛ وعلى هاتين القراءتين، فلا حاجة إلى إضمار قولٍ، بل الجملة المنفية بنفسها : إمَّا في محلِّ نصب على الحال، وإمَّا في محلّ رفعٍ خبراً ثانياً؛ كما تقدَّم في ذلك القول المضمر.
قوله :﴿ بَيْنَ أَحِدٍ ﴾ متعلِّقٌ بالتفريق، وأضيف « بَيْنَ » إلى أحد، وهو مفرد، وإن كان يقتضي إضافته إلى متعدد؛ نحو :« بَيْنَ الزَّيْدَيْنِ » أو « بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو »، ولا يجوز « بَيْنَ زَيْدٍ »، ويسكت - إمَّا لأنَّ « أَحَداً » في معنى العموم، وهو « أَحَد » الذي لا يستعمل إلا في الجحد، ويراد به العموم؛ فكأَنَّه قيل : لا نفرِّق بين الجميع من الرسل، قال الزمخشريُّ : كقوله :﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٧ ]، ولذلك دخل عليه « بَيْنَ » وقال الواحدي : و « بَيْنَ » تقتضي شيئين فصاعداً، وإنما جاز ذلك مع « أَحَدٍ »، وهو واحدٌ في اللفظ؛ لأنَّّ « أَحَداً » يجوز أن يؤدِّي عن الجميعِ؛ قال الله تعالى :﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ [ الحاقة : ٤٧ ] وفي الحديث :« مَا أُحِلَّت الغَنَائِمُ لأَحَدٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْركُمْ »، يعني : فوصفه بالجمع؛ لأنَّ المراد به جمعٌ، قال : وإنَّما جاز ذلك؛ لأنَّ « أَحَداً » ليس كرجل يجوز أن يثنَّى ويجمع، وقولك :« مَا يَفْعَلُ هَذَا أَحَدٌ »، تريد ما يفعله الناس كلُّهم، فلما كان « أَحَد » يؤدَّى عن الجميع، جاز أن يستعمل معه لفظ « بَيْنَ »، وإن كان لا يجوز أن تقول :« لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْهُمْ ».