وأما ما اعترض به من قوله :﴿ وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي ﴾ [ الجاثية : ٣١ ] وأنهم قدروه : فيقال لهم : أفلم تكن آياتي، فحذف فيقال ولم تحذف الفاء، فدل على بطلان هذا التقدير - فليس بصحيح، بل هذه الفاء التي بعد الهمزة في « أفَلَمْ » ليست فاء « فيقال » التي هي جواب « أما » - حتى يقال : حذف « يقال » وبقيت الفاء، بل الفاء التي هي جواب « أما » و « يقال » بعدها - محذوف، وفاء « أفلم » يحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون زائدة.
وقد أنشد النحويون على زيادة الفاء قول الشاعر :[ الطويل ]
١٥٦٥- يَمُوتُ أناسٌ أوْ يَشِيبُ فَتَاهُمُ | وَيَحْدُثُ نَاسٌ، والصَّغِيرُ فِيَكْبُرُ |
١٥٦٦- لَمَّا اتَّقَى بِيَدٍ عَظِيمٍ جِزمُهَا | فَتَرَكْتُ ضَاحِيَ جِلْدِهَا يَتَذَبْضَبُ |
١٥٦٧- أرَانِي إذَا ما بِتُّ بِتُّ عَلَى هَوًى | فَثُمَّ إذَا أصْبَحْتُ أصْبَحْتُ غَادِيَا |
وقال الأخفش :« وزعموا أنهم يقولون : أخوك فوجد، يريدون : أخوك وجد ».
والوجه الثاني : أن تكون الفاء تفسيرية، والتقدير : فيقال لهم ما يسوؤهم، « أفلم » تكن آياتي، ثم اعتني بحرف الاستفهام، فتقدمت على الفاء التفسيرية، كما تتقدم على الفاء التي للتعقيب في قوله :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض ﴾ [ يوسف : ١٠٩ ] وهذا على رَأي من يثبت أن الفاء تفسيرية، نحو توضأ زيد فغسل وجهه ويديه.. إلى آخر أفعال الوضوء، فالفاء - هنا - ليت مرتِّبة، وإنما هي مفسِّرة للوضوء، كذلك تكون في ﴿ أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ﴾ مفسرة للقول الذي يسوؤهم.
وقوله : فلما بطل هذا تعين أن يكون الجواب :« تذوقوا »، أي : تعيَّن بطلان حذف ما قدَّره النحويون، من قوله :« فيقال لهم » ؛ لوجود هذه الفاء في « أفلم تكن »، وقد بيَّنَّا أن ذلك التقدير لم يبطل؛ وأنه سواء في الآيتين، وإذا كان كذلك فجواب :« أما » هو فيقال - في الموضعين - ومعنى الكلام عليه، وأما تقديره : أأهملتكم فلم تكن آياتي تتلى عليكم؟ فهذه نزعة زمخشرية، وذلك أن الزمخشريَّ يقدِّر بين همزة الاستفهام وبين الفاء فِعْلاً يصح عطف ما بعدها عليه، ولا يعتقد أن الفاء والواو، و « ثم » إذا دخلت عليها الهمزة - أصلهن التقديم على الهمزة، لكن اعتني بالاستفهام، فقدم على حرف العطف - كما ذهب إليه سيبويه وغيره من النحويين - وقد رجع الزمخشريّ إلى مذهب الجماعة في ذلك، وبطلان قول الأول مذكور في النحو وقد تقدم - في هذا الكتاب - حكاية مذهب الجماعة في ذلك، وعلى تقدير قول هذا الرجل - أأهملتكم فلم تكن آياتي، لا بدّ من إذمار القول، وتقديره : فيقال : أاهملتكم؛ لأن هذا المقدَّر هو خبر المبتدأ، والفاء جواب « أما »، وهو الذي يدل عليه الكلام، ويقتضيه ضرورة.