قرأ أبو الجزاء، وابنُ يَعْمُرَ : اسْوَادَّتْ، وابياضَّتْ - بألف - وقد تقدمت قراءتهما : تبياض، وتسوادُّ، وهذا قياسها، وأصْل « افْعَلَّ » هذا أن يكون دالاً على عَيْبٍ حِسِّيٍّ - ك « اعورَّ واسود واحْمَرَّ » - وأن لا يكون من مضعف كأجَمَّ، ولا معتل اللام كألْمَى، وأن يكون للمطاوعة، وندر نحو انقضَّ الحائط، وابْهَارَّ الليل، واشعارَّ الرجل - تفرَّق شَعْرُه - إذْ لا دلالةَ فيه على عَيْبٍ، ولا لون، وندر - أيضاً - ارْعَوَى، فإنه معتل اللام، مطاوع لرعوته - بمعنى، كففته - وليس دالاًّ على عيب، ولا لون، وأما دخول الألف في « افْعَلَّ » هذا - فدالٌّ على عُرُوضِ ذلك المعنى، وعدمها دالٌّ على ثبوته واستقراره، فإذا قلتَ : اسوادَّ وجْهُه، دلَّ على اتصافه بالسواد من غير عُروض فيه، وإذا قلت : اسوادَّ، دل على حدوثه، هذا هو الغالب، وقد يُعْكَس، قال تعالى :﴿ مُدْهَامَّتَانِ ﴾ [ الرحمن : ٦٤ ] - فالقصد الدلالة على لزوم الوصف بذلك للجنتين - وقال :﴿ تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ﴾ [ الكهف : ١٧ ] القصد به العروض لازورار الشمس، لا الثبوت والاستقرار - كذا قيل - وفيه نظر؛ لأن المقصود وَصْف الشمس بهذه الصفة الثابتة بالنسبة إلى هؤلاء القوم خاصَّة.

فصل


قال بعض المفسرين : بياض الوجوه وسوادها، إنما يحصل عند قيامهم من قبورهم للبعث، فتكون وجوه المؤمنين مبيضة، ووجوه الكافرين مسودة.
وقيل : عند الميزان، إذا رجحت حسناته ابْيَضَّ وجهه، وإذا رجحت سيئاته اسوَدَّ وجهه.
قيل : إن ذلك عند قراءة الكتاب، إذ قرأ المؤمن كتابه، فرأى حسناته استبشر، ابيضَّ وجْهُه، وإذا قرأ الكافر كتابَه، فرأى سيئاته اسوَدَّ وجهه.
وقيل : إن ذلك عند قوله تعالى :﴿ وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون ﴾ [ يس : ٥٩ ].
قيل : يُؤمَرُ كلُّ فريق بأن يجتمع إلى معبوده، فإذا انتهَوا إليه حزنوا واسودَّتْ وجوهُهُمْ.
قوله :﴿ فَفِي رَحْمَةِ الله ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أن الجارَّ متعلق ب « خالِدُونَ »، و « فِيهَا » تأكيد لفظي للحرف، و التقدير : فهم خالدون في رحمة الله فيها. وقد تقرر أنه لا يؤكد الحرف تأكيداً لفظياً، إلا بإعادة ما دخل عليه، أو بإعادة ضميره - كهذه الآية - ولا يجوز أن يعود - وحْدَه - إلا في ضرورةٍ.
كقوله :[ الرجز ]
١٥٦٨- حَتَّى تَرَاهَا وكَأنَّ وكأنْ أعْنَاقَهَا مُشَدَّدَاتٌ بِقَرَنْ
كذا ينشدون هذا البيت.
وأصرح منه في الباب - قول الشاعر :[ الوافر ]
١٥٦٩- فَلاَ وَاللهِ لا يُلْقَى لِمَا بِي وَلاَ لِلِمَا بِهِمْ أبَداً دَوَاءُ
ويحسن ذلك إذا اختلف لفظهما.
كقوله :[ الطويل ]


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
١٥٧٠- فَأصْبَحْنَ لا يَسْألْنني عَنْ بِمَا بِهِ أصَعَّدَ في عُلُوِ الْهَوَى أمْ تَصَوَّيَا