١٤٦٥- وَبِالطَّوِيْلِ الْعُمْرِ عُمْراً حَيْدَرَا .................
الأصل : وبالعمر الطويل، هذا في المعارفِ، وأما في النِّكِرَاتِ، فينصبون الصفةَ حالاً.
وقال أبو حيَّان :« ولا يصح أن يكون » الْمَسِيحُ « - في هذا التَّركيبِ - صفة؛ لأن المُخْبَر به - على هذا لفظ » عِيسَى « والمسيح من صفة المدلول، لا من صفة الدَّالِّ؛ إذ لفظ » عِيسَى « ليس المسيح ».
ومن قال : إنهما اسمانِ، قال : تَقَدَّمَ المسيحُ على عيسى؛ لشهرته.
قال ابن الأنباريّ : وإنما بدأ بلقبه؛ لأن المسيح أشهرُ من عيسى؛ لأنه قَلَّ أن يقع على سَمِيِّ، فيشتبه به، وعيسى قد يقع على عدد كثيرٍ، فقدَّمه لشهرته، ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم، فهذا يدل على أن المسيح عند ابن الأنباري لَقَبٌ، لا اسمٌ.
قال أبو إسحاق :« عيسى معرب من أيسوع، وإن جعلته عربياً لم ينصرفْ في معرفة ولا نكرة؛ لأن فيه ألفَ التأنيثِ، ويكون مشتقاً من عاسه يعوسه : إذا ساسه وقام عليه ».
قال الزمخشريُّ :« ومُشْتَقُّهُمَا - يعني المسيح وعيسَى - من المَسْح والعَيْس كالراقم على الماء »، وقد تقدم الكلام على عيسى ومريم واشتقاقهما في سورة البقرة.
وقوله :﴿ وَجِيهًا ﴾ حال، وكذلك قوله :﴿ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ ﴾ وقوله :﴿ وَيُكَلِّمُ ﴾ وقوله :﴿ مِّنَ الصالحين ﴾ هذه أربعة أحوالٍ انتصبت عن قوله :« بِكَلِمَةٍ ». وإنما ذَكَّر الحالَ؛ حملاً على المعنى؛ إذ المعنى المرادُ بها : الولد والمُكَوِّن، كما ذكَّر الضميرَ في « اسْمُهُ ».
فالحال الأولى جِيءَ بها على الأصل - اسماً صريحاً - والباقية في تأويله. والثانيةُ : جار ومجرور، وأتى بِهَا هكذا؛ لوقوعها فاصلةً في الكلام، ولو جِيءَ بها اسماً صريحاً، لفات مناسبة الفواصل. والثالثة جملة فعليَّة، وعطف الفعل على الاسم؛ لتأويلهِ به، وهو كقوله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ﴾ [ الملك : ١٩ ]، أي : وقَابضات، ومثله في عطفِ الاسمِ على الفعل؛ لأنه في تأويله، قولُ النابغة :[ الطويل ]
١٤٦٦- فَأَلْفَيْتُهُ يَوْماً يُبِيْرُ عَدُوَّهُ وَمُجْرٍ عَطَاءً يَسْتَحِقُّ الْمَعَابِرَا
وقال الآخر :[ الرجز ]
١٤٦٧- بَاتَ يُغشِّيها بِغَضَبٍ بَاتِرِ يَقْصِدُ في أَسْوُقِهَا وَجَائِرِ
والمعنى : مُبِيراً عدوه، وقاصداً.
وجاء بالثالثة جملة فعلية؛ لأنها في رُتْبتها، إذ الحالُ وَصْفٌ في المعنى، وقد تقدم أنه إذا اجتمعَ صفات مختلفة في الصراحةِ والتأويل قُدِّم الاسمُ، ثمَّ الظرفُ - أو عديلهُ - ثم الجملةُ. فكذا فعل هنا، فقدم الاسم - وهو ﴿ وَجِيهًا ﴾ - ثم الجار والمجرور، ثم الفعل، وأتى به مضارعاً؛ لدلالته على التجدُّد وقتاً مؤقتاً، بخلاف الوجاهةِ، فإنَّ المرادَ ثبوتها واستقرارها، والاسمُ مُتَكَفِّلٌ بذلِك، والجار قريبٌ من المفرد، فلذلك ثَنَّى به، إذ المقصودُ ثبوتُ تَقْرِيبِهِ.


الصفحة التالية
Icon