وقرأ عليٌّ - رضي الله عنه - وأبُو السَّمَّال : جُؤار بالجيم والهَمْز، وهو الصَّوت الشديد.

فصل


قال ابنُ عبَّاسٍ والحسنُ وقتادةُ وجماهيرُ أهل التفسير : كان لبني إسرائيل عبيد يتزيَّنُونَ فيه ويَسْتعِرُونَ من القبط الحلي، فاستعارُوا حلي القبط لذلك اليوم : فَلَمَّا أغرق اللَّهُ القبط بقي ذلك الحيل في أيدي بني إسرائيل، فجمع السَّامريّ تلك الحلي، واسْمُهُ موسى بنُ ظفر، من قرية يقال لها سامرة، وكان رجلاً مُطاعاً فيهم، وكانُوا قد سألوا موسى - عليه السلام - أن يجعل لهم إلهاً يعبدونه، فصاغَ السَّامري لهم من ذلك الحُلِيِّ عِجْلاً، وألقى في فَمِهِ من تراب أثر فرس جبريل؛ فتحول عِجْلً جَسداً حَيّاً لَحْماً ودماً له خُوَارٌ.
وقيل : كان جَسَداً مُجَسَّداً من ذهب لا روح فيه، كان يسمع منه صوتُ الرِّيح يدخل في جوفه ويخرج.
قال أكثرُ المفسِّرينَ من المعتزلة : إنَّهُ جعل ذلك العجلَ مجوفاً، وجعل في جوفه أنابيب على شكل مخصوص.
وكان قد وضع ذلك التمثال في مهبِّ الرِّيح، فكانت تدخل في تلك الأنابيبِ فيظهرُ منه صوت مخصوص يشبه خُوار العجل.
وقال آخرون : إنَّهُ جعلَ ذلك التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيثُ لا يشعر به النَّاس، فيسمعوا الصوت من جوفه كالخوار، كما يفعلون الآن في هذه التَّصَاوير التي يجرون فيها الماء كالفوارات وغيرها.
قيل : إنَّهُ ما خار إلاَّ مرة واحدة، وقيل : كان يخور كثيراً كُلَّمَا خار سجدوا له وإذا سكت رفعوا رؤوسهم. وقال وهب : كان يَخُورُ ولا يتحَرّك.
وقال السدي : كان يخور ويمشي. ثم قال لهم هذا إلهكم وإله مُوسَى.
فإن قيل لِمَ قال :﴿ واتخذ قَوْمُ موسى ﴾ والمتّخذ هو السّامريُّ؟
فالجوابُ من وجهين : أحدهما : أنَّ اللَّه نسب الفعل إليهم، ولأنَّ رجلاً منهم باشره.
كما يقال : بَنُو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائِلُ والفاعِلُ واحد، والثاني : أنَّهُم كانوا مُريدين لاتخاذِهِ راضين به، فكأنَّهُم اجتمعُوا عليه.
فإن قيل : لم قال :« مِنْ حُلِيِّهم » ولم يكن الحلي لهم، وإنَّما اسْتَعارُوهَا؟
فالجوابُ : أنَّه لَما اهلك اللَّهُ قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم ملكاً لهم كقوله :﴿ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ ﴾ [ الدخان : ٢٥ ] - إلى قوله - ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ﴾ [ الدخان : ٢٨ ]

فصل


قيل إنَّ الذين عبدُوا العِجْلَ كانوا كل قوم موسى.
قال الحسنُ : كلهم عبدوا العجل غير هارون، لعموم هذه الآية.
ولقول موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - :﴿ رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي ﴾ [ الأعراف : ١٥١ ]، فتخصيص نفسه وأخيه بالدُّعاءِ يدلُّ على أنَّ غيرهُمَا ما كان أهلاً للدعاءِ، ولو بَقَوْا على الإيمان لما كان الأمْرُ كذلك. وقيل : بل كان منهم من ثَبَتَ على إيمانه لقوله تعالى :﴿ وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon