ولذلك قال الزجاج :« إنّه الترقِّي في الفساد »، وقال الأصمعي أيضاً :« بَغَى الجرحُ : ترقَّى إلى الفساد، وبغتِ المرأةُ : فجرت ».
قال أبو حيَّان :« ولا يصِحُّ أن يقال في المسلمين، إنَّهُم باغُون على الكفرة، إلاَّ إن ذكر أنَّ أصل البغي، هو الطلبُ مطلقاً، ولا يتضمَّن الفساد، فيحينئذٍ ينقسم إلى : طلبٍ بحقٍّ، وطلبٍ بغير حقٍّ ».
قال الواحدي :« وأصلُ البغي : الطلب »، وقد تقدم أنَّ هذه الآي، ترُدُّ على الفارسي، أنَّ « لمَّا » ظرف بمعنى « حين » ؛ لأنَّ ما بعد « إذَا » الفُجائيَّة، لا يعمل فيما قبلها، وإذا قد فرض كون « لمَّا » ظرفاً لزم أن يكون لها عاملٌ «.

فصل


دلَّت هذه الآية : على أن فعل العبد خلق لله - تعالى -؛ لأنَّه قال :»
يُسَيِّركُمْ «، وقال :﴿ قُلْ سِيرُواْ ﴾ [ الأنعام : ١١ ] وهذا يدل على أن سيرهم منهم، ومن الله، فيكون كسباً لهم وخلقاً لله. ونظيره قوله - تعالى - :﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق ﴾ [ الأنفال : ٥ ] وقال في آيةٍ أخرى :﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الذين كَفَرُواْ ﴾ [ التوبة : ٤٠ ]، وقوله ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى ﴾ [ النجم : ٤٣ ]، مع قوله :﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً ﴾ [ التوبة : ٨٢ ]، قال القفال :» هو الذي يسيركم في البرِّ والبحْرِ؛ أي : هو الهادي لكم إلى السَّيْرِ في البحر والبر، طلباً للمعاش، وهو المسير لكم؛ لأنَّه هيَّأ لكم أسباب ذلك السَّيْر «، والجواب : لا شك أنَّ المسيِّر في البحر هو الله - تعالى جلَّ ذكره -؛ لأنَّه هو المحدث لتلك الحركات في أجزاء السَّفينة، وإضافة الفعل إلى الفاعل هو الحقيقة، فيجبُ أن يكون مسيراً لهم في البرِّ والبحر، إذ لو كان مسيّراً لهم في البرِّ بمعنى إعطاء الآلات والأدوات، لكان مجازاً، فيلزم كون اللفظ الواحد حقيقة ومجازاً دفعةً واحدةً، وذلك باطلٌ، على ما تقرر في أصول الفقه، قال أبو هاشم :» لايبعُد أن يقال : إن الله تعالى تكلَّم به مرَّتين «، وهذا باطلٌ؛ لأن هذا القول لم يقل به أحدٌ من الأئمَّة، ممَّن كانوا قبله، فكان خلافاً للإجماع، فيكون باطلاً.

فصل


معنى الآية :﴿ هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر ﴾ على ظهور الدَّوابِّ، وفي البحر على الفلك، ﴿ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك ﴾ أي : في السفن. والفلك : تكون واحداً، وجمعاً، »
وَجَرَيْنَ بِهِم « أي : جرت الفلك بالنَّاس، رجع من الخطاب إلى الغيبة.
والفائدة فيه من وجوه :
أحدها : ما تقدم عن الزمخشري، وهو المبالغةُ بذكر حالهم لغيرهم؛ ليعجبوا منها، ويستدعي منهم مزيد الإنكار والتَّقبيح.


الصفحة التالية
Icon