قوله تعالى :﴿ واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ ﴾ الآية. أي : من بعد مُضيِّة وهذابه إلى الميقات والجارَّان متعلِّقان ب « اتَّخَذَ »، وجَازَ أن يتعلَّق بعاملٍ حرفا جَرّ متحدَا اللَّفْظِ، لاختلافِ مَعْنيْهما لأنَّ الأولى لابتداء الغايةِ، والثَّانية للتَّبعيضِ، ويجوزُ أن يكون « مِن حُلِيِّهِمْ » متعلٌِّاً بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من عِجْلاً لأنَّهُ لو تأخَّر عنه لكان صفةً فكان يقال عِجْلاً من حليهم.
وقرأ الأخوان مِنْ حِليِّهم بكسر الحاء وَوجْهُهَا الإتباع لكسرة اللاَّم، وهي قراءة أصحاب عبد الله وطلحة ويحيى بن وثاب والأعمش.
والباقون بضمِّ اللاَّم، وهي قراءةُ الحسنِ وأبي جعفرٍ وشيبة بن نصاح، وهو في القراءتين جمع « حَلْيِ » ك « طَيٍّ »، فجمع على « فُعُول » ك « فَلْس » و « فُلُوس » فأصله، حُلُويٌّ كثُدِي في « ثُدُوي »، فاجتمعت الياء والواوُ، وسبقت إحداهما بالسُّكُون، فقلبت الواوُ ياء، وأدغمت، وكُسرت عين الكلمة، وإن كانت في الأصل مضمومةً لتصِحَّ الياء، ثُمَّ لك فيه بعد ذلك وجهانِ : تركُ الفاءِ على ضَمِّهَا، أو إتباعُها للعين في الكسرةِ، وهذا مُطَّردٌ في كل جمعٍ على « فُعُول » من المعتلِّ اللاَّم، سواء كان الاعتلال بالياء ك « حُلِيّ » و « ثُدِي » أم بالواو نحو :« عُصِيّ »، و « دُلِيّ » جمع عَصَا ودَلْو. وقرأ يعقوبُ « من حَلِيِّهم » بفتح الحاءِ وسكون اللاَّمِ، وهي محتملةٌ لأن يكون « الحَلْي » مفرداً أريد به الجمعُ، أو اسمُ جنسٍ مفرده « حَلْيَة » على حدِّ قَمْحٍ وقَمْحَةٍ، و « عِجْلاً » مفعولُ « اتَّخَذَ » و « مِنْ حُلِيِّهم » تقدَّم حكمه. ويجوزُ أن يكون « اتَّخذَ » متعديةً لاثنين بمعنى « صَيَّرَ » فيكون :« مِنْ حُلِيِّهم » هو المفعول الثاني.
وقال أبُو البقاءِ :« وهو محذوفٌ، أي : إلهاً » ولا حاجة إليه. والحَلْيُ : اسم لما يُحَسَّن به من الذَّهبِ والفضَّةِ.
و « جَسَداً » فيه ثلاثةُ أوجه، أحدها : أنَّهُ نعتٌ. الثَّانِي : أنَّهُ عطفُ بيان، والثالثُ : أنَّهُ بدلٌ قاله الزمخشريُّ، وهو أحسنُ؛ لأنَّ الجسد ليس مشتقاً، فلا يُنْعَتُ به إلا بتأوُّلٍ، وعطفُ البيان في النكراتِ قليلٌ، أو ممتنع عند الجمهور، وإنَّما قال :« جَسَداً » لئلاَّ يُتوهَّمَ أنَّهُ كان مخطوطاً، أو مرقوماً. والجسد : الجثة.
وقيل : ذات لحم ودمٍ.
قوله :« لَهُ خُوَارٌ » في محل النَّصْبِ نعتاً ل « عِجْلاً »، وهذا يُقَوِّي كون « جَسَداً » نعتاً؛ لأنه إذا اجتمع نعتُ وبدلٌ قُدِّم النَّعْتُ على البدلِ، والجمهورُ على خُوَارٌ بخاء معجمة وواو صريحة، وه صوتُ البقرِ خاصّةً، وقد يُسْتَعَارُ للبعير، والخَوَرُ : الضَّعْفُ، ومنهُ أرْضٌ خَوَّارةً وريح خوار والخورانُ : مجرى الرَّوث، وصوت البهائم أيضاً.