قال أنس : سمعته من رسول الله ﷺ وليس بيني وبينه أحد.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم عن لقيط بن عامر أنه خرج وافداً إلى رسول الله ﷺ، ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم، قال : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله ﷺ حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الناس خطيبا فقال :« يا أيها الناس ألا إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم، ألا فهل من امرىء بعثه قومه؟ فقالوا اعلم لنا ما يقول رسول الله الاتم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه، أو يلهيه الضلال، ألا إني مسؤول هل بلغت ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا. قال : فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلنا يا رسول الله ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمر الله وهز رأسه وعلم أني الفتى، فقال : ضن ربك تعالى بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله، وأشار بيده. قلت وما هن؟ قال : علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه. وعلم ما في الغد ما أنت طاعم غذاً ولا تعلمه، وعلم يوم الغيم يشرف عليكم إذا قنطتم مشفقين فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قريب. قال لقيط : قلت لن نعدم من رب يضحك خيراً وعلم يوم الساعة. قلت يا رسول الله : علمنا ما يعلم الناس وما يعلم صاحبي، فإنا في قبيل لا يصدقون تصديقنا من أحد مذحج التي قربوا علينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها. قال : تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم، ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات والملائكة الذين مع ربك تعالى، فأصبح ربك تعالى يطوف في البلاد، وقد خلت عليه البلاد، فأرسل ربك السماء بمهضب من عند العرش، ولعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصدع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت الأرض عنه حتى تجعله من عند رأسه فيستوي جالساً يقول ربك مهيم لما كان فيه. يقول يا رب أمس اليوم ولعهده بالحياة يحسبه حديثاً بأهله فقلت يا رسول الله : كيف يجمعنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع؟ قال : أنبئك بمثل ذلك من آلاء الأرض أشرفت عليها وهي مذرة بالية فقلت : لا تحيا أبداً ثم أرسل ربك عليها السماء، فلم تلبث عنك إلا أياماً حتى أشرفت عليها وهي سرية واحدة، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعهم من الماء وعلى أن يجمعهم من نبات الأرض، فيخرجون من الأصواء أو من مصارعهم، فينظرون إليه، وينظر إليهم. قلت : يا رسول الله : وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه؟ قال : أنبئك بمثل ذلك من آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة، وتريانهما لا تضارون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم، وترونه أو ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما. قلت يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال : تعرضون عليه بادية له صفحاتكم، لا تخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك بيده غرفة من ماء، فينضح قبلكم بها، فلعمر إلهك ما يخطىء وجه أحد منه قطرة، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الربطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحميم الأسود. ألا ثم ينصرف نبيكم ﷺ ويصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسراً من النار فيظل أحدكم يقول : حس، يقول ربك : أو أنه فتطلعون على حوض الرسول على أظمأ والله ناهلة قط رأيتها، ولعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قرح بطهره من الطرف والبول والأذى ويحبس الشمس والقمر ولا ترون منهما واحداً. قلت يا رسول الله : فيم نبصر؟ قال : بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض. قلت يا رسول الله : فما يجزي من حسناتنا وسيئاتنا؟ قال : الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها إلا أن يعفو ربك، قلت يا رسول الله : ما الجنة وما النار؟ قال : لعمر إلهك أما للنار فسبعة أبواب ما منهن باب إلا يسير الراكب فيها سبعين عاماً. قلت يا رسول الله : فعلام نطلع من الجنة؟ قال : على أنهار من عسل مصفى وأنهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله معه، وأزواج مطهرة. قلت يا رسول الله : ولنا فيها أزواج؟ قال : الصالحات للصالحين تلذونهم بمثل لذاتكم في الدنيا ويتلذذن بكم غير أن لا توالد. قال لقيط : فقلت : أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ قلت يا رسول الله : علام أبايعك؟ فبسط النبي ﷺ يده، وقال : على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وزيال الشرك، وأن لا تشرك بالله شيئاً غيره. قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب. فقبض النبيّ ﷺ يده، وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئاً لا يعطينيه. قلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجني على أمرىء إلا نفسه. فبسط يده وقال : ذلك لك تحلة حيث شئت، ولا يجني عليك إلا نفسك : قال : فانصرفنا وقال لنا : إن هذين لعمر إلهك من أتقى الناس في الدنيا والآخرة. فقال له كعب : من هم يا رسول الله؟ قال : بنو المنتقف أهل ذلك. فانصرفنا وأقبلت عليه فقلت يا رسول الله : هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم؟ قال : قال رجل من عرض قريش : والله إن أباك المنتقف لفي النار. قال : فلكأنه وقع من بين جلدي ووجهي مما قال لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله. ثم قلت يا رسول الله : وأهلك؟ قال : وأهلي لعمر الله، ما أتيت عليه من قبر عامري أو قرشي مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك في النار. قلت يا رسول الله : ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال : ذلك بما قال : بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبياً فمن عصى نبيه كان من الضالين، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين ».


الصفحة التالية
Icon