وأخرج ابن إسحق والفريابي وابن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت، وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن سئل عن ذي القرنين فقال : كان عبداً أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه، فبعثه إلى قوم يدعوهم إلى الله فدعاهم إلى الله وإلى الإسلام، فضربوه على قرنه الأيمن فمات، فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه. فأرسله إلى أمة أخرى يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام فضربوه على قرنه الأيسر فمات، فأمسكه الله ما شاء ثم بعثه فسخر له السحاب وخيّره فيه فاختار صعبه على ذلوله - وصعبه الذي لا يمطر - وبسط له النور ومدّ له الأسباب وجعل الليل والنهار عليه سواء، فبذلك بلغ مشارق الأرض ومغاربها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه، أن ذا القرنين لما بلغ الجبل الذي يقال له قاف، ناداه ملك من الجبل : أيها الخاطئ ابن الخاطئ، جئت حيث لم يجئ أحد من قبلك ولا يجيء أحد بعدك. فأجابه ذو القرنين : وأين أنا؟ قال له الملك : أنت في الأرض السابعة. فقال ذو القرنين : ما ينجيني؟ فقال : ينجيك اليقين. فقال ذو القرنين : اللهم ارزقني يقيناً. فأنجاه الله. قال له الملك : إنه ستأتي إلى قوم فتبني لهم سداً، فإذا أنت بنيته وفرغت منه فلا تحدث نفسك أنك بنيته بحول منك أو قوة، فيسلط الله على بنيانك أضعف خلقه فيهدمه. ثم قال له ذو القرنين : ما هذا الجبل؟ قال : هذا الجبل الذي يقال له قاف، وهو أخضر والسماء بيضاء وإنما خضرتها من هذا الجبل، وهذا الجبل أم الجبال والجبال كلها من عروقه، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية حرك منه عرقاً. ثم إن الملك ناوله عنقوداً من عنب وقال له : حبة ترويك وحبة تشبعك، وكلما أخذت منه حبة عادت مكانها حبة.
ثم خرج من عنده فجاء البنيان الذي أراد الله، فقالوا له :﴿ يا ذا القرنين، إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ﴾ إلى قوله :﴿ اجعل بينكم وبيهنم ردماً ﴾.
قال عكرمة رضي الله عنه : هم منسك وناسك وتأويل وراحيل. وقال أبو سعيد رضي الله عنه : هم خمسة وعشرون قبيلة من وراء يأجوج ومأجوج.
وأخرج الحاكم عن معاوية رضي الله عنه قال : ملك الأرض أربعة : سليمان وذو القرنين ورجل من أهل حلوان ورجل آخر. فقيل له : الخضر؟ قال : لا.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر، عن مجاهد رضي الله عنه قال : إن ذا القرنين ملك الأرض كلها إلا بلقيس صاحبة مأرب، فإذا ذا القرنين كان يلبس ثياب المساكين ثم يدخل المدائن فينظر من عورتها قبل أن يقتل أهلها فأخبرت بذلك بلقيس فبعثت رسولاً ينظر إليه فيصوّر لها صورته في ملكه حين يقعد، وصورته في ثياب المساكين.