ج ٦، ص : ١١٠
(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي افعلوا كل هذا رجاء الفوز والفلاح، والسعادة فى المعاش والمعاد والخلود فى جنات النعيم.
وبعد فلم يؤثر عن صحابى ولا تابعي ولا أحد من علماء السلف أن الوسيلة هى التقرب إلى اللّه تعالى بغير ما شرعه اللّه للناس من الإيمان والعمل كالدعاء ونحوه.
ولكن جدّ فى القرون الوسطى التوسل بأشخاص الأنبياء والصالحين أي جعلهم وسائل إلى اللّه تعالى والإقسام بهم على اللّه، وطلب قضاء الحاجات ودفع الضر وجلب النفع منهم عند قبورهم أو بعيدا عنها، وكثر هذا حتى أصبح الناس يدعون مع اللّه أصحاب القبور فى الحاجات أو يدعونهم من دون اللّه، وألّف بعض الناس كتبا فى هذا، وزعم أنهم يسمعون ويستجيبون للداعى، وشغف العامة بمثل هذا القول المخالف لقول اللّه تعالى :« فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً » وقوله :« إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ » وقوله :« وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ » والذي عليه المعول فى ذلك أن لفظ التوسل يراد به أحد معان ثلاثة :
(١) التوسل إلى اللّه بطاعته والتقرب إليه بفعل ما يرضيه، وهذا فرض حتم وبه جاءت الشرائع وهو أس كل دين.
(٢) التوسل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بدعائه وشفاعته كما كان الصحابة يفعلون، وهذا كان فى حال حياته، ولهذا قال عمر بن الخطاب :« اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا » أي بدعائه وشفاعته، ويوم القيامة يتوسل المؤمنون بدعاء النبي صلى اللّه عليه وسلم وشفاعته.
(٣) التوسل باللّه بمعنى الإقسام بذاته، وهذا لم تكن الصحابة تفعله فى الاستسقاء ونحوه لا فى حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم ولا بعد مماته لا عند قبره ولا بعيدا عنه،