نعم اللّه عليه فلم يؤد شكرها أو استعملها في معصيته فيرجع وبال كفره عليه "فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ" عنه غير محتاج لشكره "حَمِيدٌ ١٢" حقيق بأن يحمد نفسه بنفسه وإن لم يحمده أحد قمين بأن يحمده خلقه على السراء والضراء والشدة والرخاء، وجدير بأن يشكر ولو لم ينعم عليه "وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ" بتقوى اللّه والإحسان لخلقه أي اذكر يا محمد لقومك ما قاله لقمان لابنه من النصح "يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ" غيره بل اعبده خالصا باعتباره الإله الواحد الذي لا رب غيره "إِنَّ الشِّرْكَ" باللّه تعالى يا بني واتخاذ آلهة من دونه للعبادة أو إشراك غيره معه في أعمالك الصالحة "لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣" لا أعظم منه أبدا لكونه وضع الشيء في غير محله، وهذا إشارة إلى التكميل لأن أعلى مراتب الإنسان الكمال في نفسه والتكميل لغيره، فقوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) إيماء إلى الكمال وإرشاده لابنه بما ذكر رمز إلى التكميل وكان رضي اللّه عنه أول ما بدأ بالإرشاد ابنه وبالأهم وهو الشرك إذ غلّظه بالوصف تحذيرا من قربانه، وهذا أيضا من الحكمة لأن الأقرب أولى بالمعروف والأعظم وزرا أوجب بأن ينهى عنه أولا.
ومن حكمته أنه كان صحب داود عليه السلام وكان يشغله بسرد الدروع فيشتغل ولا يسأل عنه لما ذا هو، فلما نظمها داود ونسجها ولبسها قال لقمان نعم لبوس الحرب هذا، وقال الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال داود بحق سميت حكيما يا لقمان.
ثم قال له ذات يوم كيف أصبحت يا لقمان ؟ قال أصبحت بيد غيري، فصعق داود لقوله هذا، وفي سكوت لقمان وعدم سؤاله داود عن صنع السرد أي الزرد وهو الحلق الذي تنسج منه الدروع إعلام إلى أن اتباع أمر النبي لازم فيما يعقل وما لا يعقل إظهارا للانقياد والخضوع له والتعبد للّه الذي أرسله.