فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه، وإن شئت جعلت القعيد واحداً اكتفى به من صاحبه، كما قال الشاعر:
نَحْنُ بما عِندنا، وأنت بما * عندك راضٍ، والرأىُ مختلِفُ
ومثله قول الفرزدق:
إِنِّى ضَمِنت لمن أتانى ما جَنَى * وأبَى، وَكان وكنت غير غَدُورِ
وَلم يقل: غدورين.
﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾
وقوله: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ...﴾ وفى قراءة عبدالله: سكرة الحق بالموت، فإن شئت أردت (بالحق) أنه الله عز وجل، وإن شئت جعلت السكرة هى الموت، أضفتها إلى نفسها كأنك قلت: جاءت السكرة الحقُّ بالموت، وقوله: ﴿سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ يقول: بالحق الذى قد كان غير متبين لهم من أمر الآخرة، ويكون الحق هو الموت، أى جاءت سكرة الموت بحقيقة الموت.
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَاذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
وقوله: ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ...﴾.
يقول: قد كنت تُكذب، فأنت اليوم عالم نافذ البصر، والبصر ها هنا: هو العلم ليس بالعين.
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾
وقوله: ﴿هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ...﴾.
رفعتَ العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله: ﴿هَذَا بَعْلِى شَيْخٌ﴾. ولو كان نصبا كان صوابا ؛ لأن (هذا، وما) ـ معرفتان، فيقطع العتيد منهما.
﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾
[/ا] وقوله: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ...﴾.
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحك! ارحلاها وازجرها، وأنشدنى بعضهم:
فقلت لصاحبى لا تحبسانا * بنزع أصوله، واجتزَّ شيحا
قال: ويروى: واجدزّ يريد: واجتز، قال: وأنشدنى أبو ثروان:
وإن تزجرانى يا ابن عفان أنزجر * وإن تدعانى أَحْمِ عرضاً ممنَّعاً


الصفحة التالية
Icon