قلت : وقد يكون النقع رفع الصوت، ومنه حديث عمر حين قيل له : إن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد ؛ فقال : وما على نساء بني المغِيرة أن يسفِكن من دموعهنّ وهنّ جلوس على أبي سليمان، ما لَمْ يكن نقْع ولا لَقْلقَة.
قال أبو عبيد : يعني بالنقع رفع الصوت ؛ على هذا رأيت قول الأكثرين من أهل العلم ؛ ومنه قول لبيد :
فمتى ينقَعْ صُراخٌ صادِق...
يُحْلِبوها ذاتَ جَرْس وزَجَل
ويروى "يَحْلِبوها" أيضاً.
يقول : متى سمعوا صراخاً أحلبوا الحرب، أي جمعوا لها.
وقوله :"يَنْقع صُراخ" : يعني رفع الصوت.
وقال الكسائي : قوله "نقع ولا لقلقة" النقع : صنعة الطعام ؛ يعني في المَأْتم.
يقال منه : نقعْت أنقَع نَقْعاً.
قال أبو عبيد : ذهب بالنقع إلى النَّقيعة ؛ وإنما النقيعة عند غيره من العلماء : صنعة الطعام عند القدوم من سفر، لا في المأتم.
وقال بعضهم : يريد عمر بالنقع : وضع التراب على الرأس ؛ يذهب إلى أن النقع هو الغبار.
ولا أحسب عمر ذهب إلى هذا، ولا خافه منهنّ، وكيف يبلغ خوفه ذا وهو يكره لهنّ القيام.
فقال : يَسْفِكْنَ من دموعهنّ وهُنّ جلوس.
قال بعضهم : النقع : شق الجيوب ؛ وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد، وأمّا اللقلقة : فشِدّة الصوت، ولم أسمع فيه اختلافاً.
وقرأ أبو حَيْوة "فأَثَّرْنَ" بالتشديد ؛ أي أرت آثار ذلك.
ومن خفف فهو من أثار : إذا حرّك ؛ ومنه ﴿ وَأَثَارُواْ الأرض ﴾ [ الروم : ٩ ].
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥)
"جَمْعاً" مفعول ب"وَسَطْن" ؛ أي فوسطْن بركبانهن العدوّ ؛ أي الجمع الذي أغاروا عليهم.
وقال ابن مسعود :﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ : يعني مُزْدلِفة ؛ وسميت جمعاً لاجتماع الناس.
ويقال : وسَطْتُ القوم أَسِطُهم وَسْطاً وسِطَةً ؛ أي صِرت وَسْطَهم.


الصفحة التالية
Icon