أحدهما : أنه عليه السلام كان مأموراً بالرفق واللين في جميع الأمور كما قال :﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] ﴿بالمؤمنين رءوف رحيم﴾ [ التوبة : ١٢٨ ] ﴿وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ] ثم كان مأموراً بأن يدعو إلى الله بالوجه الأحسن :﴿وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ﴾ [ النحل : ١٢٥ ] ولما كان الأمر كذلك، ثم إنه خاطبهم بيا أيها الكافرون فكانوا يقولون : كيف يليق هذا التغليظ بذلك الرفق فأجاب بأني مأمور بهذا الكلام لا أني ذكرته من عند نفسي فكان المراد من قوله : قل تقرير هذا المعنى
وثانيها : أنه لما قيل له :﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ] وهو كان يحب أقرباءه لقوله :﴿قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِى القربى﴾ [ الشورى : ٢٣ ] فكانت القرابة ووحدة النسب كالمانع من إظهار الخشونة فأمر بالتصريح بتلك الخشونة والتغليظ فقيل له :﴿قُلْ﴾، وثالثها : أنه لما قيل له :﴿يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [ المائدة : ٦٧ ] فأمر بتبليغ كل ما أنزل عليه فلما قال الله تعالى له :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ نقل هو عليه السلام هذا الكلام بجملته كأنه قال : إنه تعالى أمرني بتبليغ كل ما أنزل علي والذي أنزل علي هو مجموع قوله :﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ فأنا أيضاً أبلغه إلى الخلق هكذا
ورابعها : أن الكفار كانوا مقرين بوجود الصانع، وأنه هو الذي خلقهم ورزقهم، على ما قال تعالى :﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله﴾ [ لقمان : ٢٥ ] والعبد يتحمل من مولاه مالا يتحمله من غيره، فلو أنه عليه السلام قال ابتداء :﴿يا أيها الكافرون﴾ لجوزوا أن يكون هذا كلام محمد، فلعلهم ما كانوا يتحملونه منه وكانوا يؤذونه.