فبهذا الطريق تدل هذه الكلمة على أن الذي قالوه وطلبوه من الرسول أمر منكر في غاية القبح ونهاية الفحش الحادي عشر : كأنه تعالى يقول كانت التقية جائزة عند الخوف، أما الآن لما قوينا قلبك بقولنا :﴿إِنَّا أعطيناك الكوثر﴾ وبقولنا :﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر﴾ فلا تبال بهم ولا تلتفت إليهم و :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾
الثاني عشر : أن خطاب الله تعالى مع العبد من غير واسطة يوجب التعظيم ألا ترى أنه تعالى ذكر من أقسام إهانة الكفار، إنه تعالى لا يكلمهم، فلو قال :﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون﴾ لكان ذلك من حيث إنه خطاب مشافهة يوجب التعظيم، ومن حيث إنه وصف لهم بالكفر يوجب الإيذاء فينجبر الإيذاء بالإكرام، أما لما قال :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ فحينئذ يرجع تشريف المخاطبة إلى محمد ﷺ، وترجع الإهانة الحاصلة لهم بسبب وصفهم بالكفر إلى الكفار، فيحصل فيه تعظيم الأولياء، وإهانة الأعداء، وذلك هو النهاية في الحسن
الثالث عشر : أن محمداً عليه السلام كان منهم، وكان في غاية الشفقة عليهم والرأفة بهم، وكانوا يعلمون منه أنه شديد الاحتراز عن الكذب، والأب الذي يكون في غاية الشفقة بولده، ويكون في نهاية الصدق والبعد عن الكذب ثم إنه يصف ولده بعيب عظيم فالولد إن كان عاقلاً يعلم أنه ما وصفه بذلك مع غاية شفقته عليه إلا لصدقه في ذلك ولأنه بلغ مبلغاً لا يقدر على إخفائه، فقال تعالى : قل يا محمد لهم : أيها الكافرون ليعلموا أنك لما وصفتهم بذلك مع غاية شفقتك عليهم وغاية احترازك عن الكذب فهم موصوفون بهذه الصفة القبيحة، فربما يصير ذلك داعياً لهم إلى البراءة من هذه الصفة والاحتراز عنها
الرابع عشر : أن الإيذاء والايحاش من ذوي القربى أشد وأصعب من الغير فأنت من قبيلتهم، ونشأت فيما بين أظهرهم فقل لهم : يا أيها الكافرون فلعله يصعب ذلك الكلام عليهم، فيصير ذلك


الصفحة التالية
Icon