فوقع ذلك السكوت منه في غاية الحسن فكأنه قيل له : إن سكت عن الثناء رعاية لهيبة الحضرة فأطلق لسانك في مذمة الأعداء و : قل يا أيها الكافرون حتى يكون سكوتك الله وكلامك الله، وفيه تقرير آخر وهو أن هيبة الحضرة سلبت عنك قدرة القول فقل : ههنا حتى إن هيبة قولك تسلب قدرة القول عن هؤلاء الكفار
التاسع عشر : لو قال له : لا تعبد ما يعبدون لم يلزم منه أن يقول بلسانه :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ أما لما أمره بأن يقول بلسانه :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ يلزمه أن لا يعبد ما يعبدون إذ لو فعل ذلك لصار كلامه كذباً، فثبت أنه لما قال له قل :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ فلزمه أن يكون منكراً لذلك بقلبه ولسانه وجوارحه.
ولو قال له : لا تعبد ما يعبدون لزمه تركه، أما (١) لا يلزمه إظهار إنكاره باللسان، ومن المعلوم أن غاية الإنكار إنما تحصل إذا تركه في نفسه وأنكره بلسانه فقوله له :﴿قُلْ﴾ يقتضي المبالغة في الأنكار، فلهذا قال :﴿..... لاَّ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾،

(١) الكلام يقتضي (إذ) أو (لكن) ولعل (أما) محرفة عن كلمة أخرى.


الصفحة التالية
Icon