الثامن والعشرون : كأنه تعالى يقول يا محمد ألست قد أنزلت عليك :﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يخلق عْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [ النحل : ١٧ ] فحكمت بأن من سوى بين الإله الخالق وبين الوثن الجماد في المعبودية لا يكون عاقلاً بل يكون مجنوناً، ثم إني أقسمت وقلت :﴿ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ [ القلم : ١، ٢ ] والكفار يقولون : إنك مجنون، فصرح برد مقالتهم فإنها تفيد براءتي عن عيب الشرك، وبراءتك عن عيب الجنون و : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون التاسع والعشرون : أن هؤلاء الكفار سموا الأوثان آلهة، والمشاركة في الاسم لا توجب المشاركة في المعنى، ألا ترى أن الرجل والمرأة يشتركان في الإنسانية حقيقة، ثم القيمية كلها حظ الزوج لأنه أعلم وأقدر، ثم من كان أعلم وأقدر كان له كل الحق في القيمية، فمن لا قدرة له ولا علم ألبتة كيف يكون له حق في القيومية، بل ههنا شيء آخر : وهو أن امرأة لو ادعاها رجلان فاصطلحا عليها لا يجوز، ولو أقام كل واحد منها بينة على أنها زوجته لم يقض لواحد منهما، والجارية بين اثنين لا تحل لواحد منهما، فإذا لم يجز حصول زوجة لزوجين، ولا أمة بين موليين في حل الوطء فكيف يعقل عابد واحد بين معبودينا بل من جوز أن يصطلح الزوجان على أن تحل الزوجة لأحدهما شهراً، ثم الثاني شهراً آخر كان كافراً، فمن جوز الصلح بين الإله والصنم ألا يكون كافراً فكأنه تعالى يقول لرسوله : إن هذه المقالة في غاية القبح فصرح بالإنكار وقل : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الثلاثون : كأنه تعالى يقول أنسيت أني لما خيرت نساءك حين أنزلت عليك :﴿قُل لأزواجك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا﴾ إلى قوله :