﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ [ الأحزاب : ٢٨، ٢٩ ] ثم خشيت من عائشة أن تختار الدنيا، فقلت لها : لا تقولي شيئاً حتى تستأمري أبويك، فقالت : أفي هذا استأمر أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة
أفناقصة العقل ما توقفت فيما يخالف رضاي أتتوقف فيما يخالف رضاي وأمري مع أني جبار السموات والأرض :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ (١)
الحادي والثلاثون : كأنه تعالى يقول : يا محمد ألست أنت الذي قلت :" من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يوقفن مواقف التهم "، وحتى أن بعض المشايخ قال لمريده الذي يريد أن يفارقه : لا تخاف السلطان قال : ولم ؟ قال : لأنه يوقع الناس في أحد الخطأين، وإما أن يعتقدوا أن السلطان متدين، لأنه يخالطه العالم الزاهد، أو يعتقدوا أنك فاسق مثله، وكلاهما خطأ، فإذا ثبت أنه يجب البراءة عن موقف التهم فسكوتك يا محمد عن هذا الكلام يجر إليك تهمة الرضا بذلك، لاسيما وقد سبق أن الشيطان ألقى فيما بين قراءتك تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجي (٢)، فأزل عن نفسك هذه التهمة : وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الثاني والثلاثون : الحقوق في الشاهد نوعان حق من أنت تحت يده، وهو مولاك، وحق من هو تحت يدك وهو الولد، ثم أجمعنا على أن خدمة المولى مقدمة على تربية الولد، فإذا كان حق المولى المجازي مقدماً، فبأن يكون حق المولى الحقيقي مقدماً كان أولى، ثم روي أن علياً عليه السلام إستأذن الرسول ﷺ في التزوج بابنة أبي جهل فضجر وقال : لا آذن لا آذن لا آذن إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ويسرني ما يسرها والله لا يجمع بين بنت عدو الله، وبنت حبيب الله، فكأنه تعالى يقول : صرحت هناك بالرد وكررته على سبيل المبالغة رعاية لحق الولد، فههنا أولى أن تصرح بالرد، وتكرره رعاية لحق المولى فقل :﴿يا أيها الكافرين لا أعبد ما تعبدون﴾ ولا أجمع في القلب بين طاعة الحبيب

(١) أيضا لم يتوقف رسول الله ـ ﷺ ـ فى هذه الأمور.
(٢) تقدم رد هذه الفرية التى لا أصل لها من المحققين ومنهم الإمام فخر الدين الرازى فى سورة الحج عند قوله تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) ﴾
وهو مما يجعلنا نجزم بأن الإمام الرازى لم يصل إلى تفسير سورة الكافرون وهى من تفسير من أكمل هذا التفسير النفيس. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon