ثم إن من هو أعجز من الذبابة يأخذ بالقهر والتغلب نصيباً مني، ما هذا بقول يليق بالعقلاء : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الحادي والأربعون : أنه لا ذرة في عالم المحدثات إلا وهي تدعو العقول إلى معرفة الذات والصفات وأما الدعاة إلى معرفة أحكام الله فهم الأنبياء عليهم السلام، ولما كان كل بق وبعوضة داعياً إلى معرفة الذاتي والصفات قال :﴿إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [ البقرة : ٢٦ ]، ذلك لأن هذه البعوضة بحسب حدوث ذاتها وصفاتها تدعو إلى قدرة الله بحسب تركيبها العجيب تدعوا إلى علم الله وبحسب تخصيص ذاتها وصفاتها بقدر معين تدعو إلى إرادة الله، فكأنه تعالى يقول : مثل هذا الشيء كيف يتسحيا منه، روي أن عمر رضي الله عنه كان في أيام خلافته دخل السوق فاشترى كرشاً وحمله بنفسه فرآه علي من بعيد فتنكب علي عن الطريق فاستقبله عمر وقال له : لم تنكبت عن الطريق ؟ فقال علي : حتى لا تستحي، فقال : وكيف أستحي من حمل ما هو غذائي! فكأنه تعالى يقول : إذا كان عمر لا يستحي من الكرش الذي هو غذاؤه في الدنيا فكيف أستحي عن ذكر البعوض الذي يعطيك غذاء دينك، ثم كأنه تعالى يقول : يا محمد إن نمروذ لما ادعى الربوبية صاح عليه البعوض بالإنكار، فهؤلاء الكفار لما دعوك إلى الشرك أفلا تصيح عليهم أفلا تصرح بالرد عليهم : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون وإن فرعون لما ادعى الإلهية فجبريل ملأ فاه من الطين فإن كنت ضعيفاً فلست أضعف من بعوضة نمروذ، وإن كنت قوياً فلست أقوى من جبريل، فأظهر الإنكار عليهم و : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الثاني والأربعون : كأنه تعالى يقول يا محمد : قل بلسانك لا أعبد ما تعبدون واتركه قرضاً علي فإني أقضيك هذا القرض على أحسن الوجوه، ألا ترى أن النصراني إذا قال : أشهد أن محمداً رسول الله فأقول أنا لا أكتفي بهذا ما لم تصرح