بالبراءة عن النصرانية، فلما أوجبت على كل مكلف أن يتبرأ بصريح لسانه عن كل دين يخالف دينك فأنت أيضاً أوجب على نفسك أن تصرح برد كل معبود غيري فقل : يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الثالث والأربعون : أن موسى عليه السلام كان في طبعه الخشونة فلما أرسل إلى فرعون قيل له :
﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً﴾ [ طه : ٤٤ ] وأما محمد عليه السلام فلما أرسل إلى الخلق أمر بإظهار الخشونة تنبيهاً على أنه في غاية الرحمة، فقيل له : قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون.
أما قوله تعالى :﴿قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
﴿ياْ أَيُّهَا﴾، قد تقدم القول فيها في مواضع، والذي نزيده ههنا، أنه روي عن علي عليه السلام أنه قال : يا نداء النفس وأي نداء القلب، وها نداء الروح، وقيل : يا نداء الغائب وأي للحاضر، وها للتنبيه، كأنه يقول : أدعوك ثلاثاً ولا تجيبني مرة ما هذا إلا لجهلك الخفي، ومنهم من قال : أنه تعالى جمع بين يا الذي هو للبعيد، وأي الذي هو للقريب، كأنه تعالى يقول : معاملتك معي وفرارك عني يوجب البعد البعيد، لكن إحساني إليك، ووصول نعمتي إليك توجب القرب القريب :﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ [ ق : ١٦ ] وإنما قدم يا الذي يوجب البعد على أي الذي يوجب القرب، كأنه يقول : التقصير منك والتوفيق مني، ثم ذكرها بعد ذلك لأن ما يوجب البعد الذي هو كالموت وأي يوجب القرب الذي هو كالحياة، فلما حصلا حصلت حالة متوسطة بين الحياة والموت، وتلك الحالة هي النوم، والنائم لا بد وأن ينبه وها كلمة تنبيه، فلهذا السبب ختمت حروف النداء بهذا الحرف.
المسألة الثانية :