روي في سبب نزول هذه السورة أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، قالوا لرسول الله تعالى : حتى نعبد إلهك مدة، وتعبد آلهتنا مدة، فيحصل مصلح بيننا وبينك، وتزول العداوة من بيننا، فإن كان أمرك رشيداً أخذنا منه حظاً، وإن كان أمرنا رشيداً أخذت منه حظاً، فنزلت هذه السورة ونزل أيضاً قوله تعالى :
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون﴾ [ الزمر : ٦٤ ] فتارة وصفهم بالجهل وتارة بالكفر، واعلم أن الجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة، فلما نزلت السورة وقرأها على رؤوسهم شتموه وأيسوا منه، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم ذكرهم في هذه السورة بالكافرين، وفي الأخرى بالجاهلين ؟ الجواب : لأن هذه السورة بتمامها نازلة فيهم، فلا بد وأن تكون المبالغة ههنا أشد، وليس في الدنيا لفظ أشنع ولا أبشع من لفظ الكافر، وذلك لأنه صفة ذم عند جميع الخلق سواء كان مطلقاً أو مقيداً، أما لفظ الجهل فإنه عند التقييد قد لا يذم، كقوله عليه السلام في علم الأنساب :" علم لا ينفع وجهل لا يضر ".
السؤال الثاني : لما قال تعالى في سورة :( لم تحرم ) ﴿يا أيها الذين كفروا﴾ [ التحريم : ٧ ]، ولم يذكر قل، وههنا ذكر قل، وذكره باسم الفاعل والجواب : الآية المذكورة في سورة لم تحرم : إنما تقال لهم يوم القيامة وثمة لا يكون الرسول رسولاً إليهم فأزال الواسطة وفي ذلك الوقت يكونون مطيعين لا كافرين.
فلذلك ذكره بلفظ الماضي، وأما ههنا فهم كانوا موصوفين بالكفر، وكان الرسول رسولاً إليهم، فلا جرم قال :﴿قُلْ يا أيها الكافرون ﴾.