في هذه الآية قولان : أحدهما : أنه لا تكرار فيها والثاني : أن فيها تكراراً أما الأول : فتقريره من وجوه أحدها : أن الأول للمستقبل، والثاني للحال والدليل على أن الأول للمستقبل أن لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال، أن ترى أن لن تأكيد فيما ينفيه لا، وقال الخليل في لن أصله لا أن، إذا ثبت هذا فقوله :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ أي لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم ولا أنتم فاعلون في المستقبل ما أطلبه منكم من عبادة إلهي، ثم قال :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ أي ولست في الحال بعابد معبودكم ولا أنتم في الحال بعابدين لمعبودي الوجه الثاني : أن تقلب الأمر فتجعل الأول للحال والثاني للاستقبال والدليل على أن قول :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ للاستقبال أنه رفع لمفهوم قولنا : أنا عابد ما عبدتم ولا شك أن هذا للاستقبال بدليل أنه لو قال : أنا قاتل زيداً فهم منه الاستقبال الوجه الثالث : قال بعضهم : كل واحد منهما يصلح للحال وللاستقبال، ولكنا نخص إحداها بالحال، والثاني بالاستقبال دفعاً للتكرار، فإن قلنا : إنه أخبر عن الحال، ثم عن الاستقبال، فهو الترتيب، وإن قلنا : أخبر أولاً عن الاستقبال، فلأنه هو الذي دعوه إليه، فهو الأهم فبدأ به، فإن قيل : ما فائدة الإخبار عن الحال وكان معلوماً أنه ما كان يعبد الصنم، وأما الكفار فكانوا يعبدون الله في بعض الأحوال ؟ قلنا : أما الحكاية عن نفسه فلئلا يتوهم الجاهل أنه يعبدها سراً خوفاً منها أو طمعاً إليها وأما نفيه عبادتهم.


الصفحة التالية
Icon