فلأن فعل الكافر ليس بعبادة أصلاً : الوجه الرابع وهو اختيار أبي مسلم أن المقصود من الأولين المعبود وما بمعنى الذي، فكأنه قال : لا أعبد الأصنام ولا تعبدون الله، وأما في الأخيرين فما مع الفعل في تأويل المصدر أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشرك وترك النظر، ولا أنتم تعبدون عبادتي المبنية على اليقين، فإن زعمتم أنكم تعبدون إلهي، كان ذلك باطلاً لأن العبادة فعل مأمور به وما تفعلونه أنتم، فهو منهي عنه، وغير مأمور به الوجه الخامس : أن تحمل الأولى على نفي الاعتبار الذي ذكروه، والثانية على النفي العام المتناول لجميع الجهات فكأنه أولاً قال : لا أعبد ما تعبدون ررجاء أن تعبدوا الله، ولا أنتم تعبدون الله رجاء أن أعبد أصنامكم، ثم قال : ولا أنا عابد صنمكم لغرض من الأغراض، ومقصود من المقاصد ألبتة بوجه من الوجوه : و لا أنتم عابدون ما أعبد بوجه من الوجوه، واعتبار من الاعتبارات، ومثاله من يدعو غيره إلى الظلم لغرض التنعيم، فيقول : لا أظلم لغرض التنعم بل لا أظلم أصلا لا لهذا الغرض ولا لسائر الأغراض القول الثاني : وهو أن نسلم حصول التكرار، وعلى هذا القول العذر عنه من ثلاثة أوجه الأول : أن التكرير يفيد التوكيد وكلما كانت الحاجة إلى التأكيد أشد كان التكرير أحسن، ولا موضع أحوج إلى التأكيد من هذا الموضع، لأن أولئك الكفار رجعوا إلى رسول الله ﷺ في هذا المعنى مراراً، وسكت رسول الله عن الجواب، فوقع في قلوبهم أنه عليه السلام قد مال إلى دينهم بعض الميل، فلا جرم دعت الحاجة إلى التأكيد والتكرير في هذا النفي والإبطال الوجه الثاني : أنه كان القرآن ينزل شيئاً بعد شيء، وآية بعد آية جواباً عما يسألون فالمشركون قالوا : استلم بعد آلهتنا حتى نؤمن بإلهك فأنزل الله :﴿وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ﴾ ثم قالوا بعد مدة تعبد آلهتنا شهراً ونعبد إلهك


الصفحة التالية
Icon