﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ فإني أعبد إلهِي.
وقيل : إن قوله تعالى :﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ في الاستقبال.
وقوله :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ على نفي العبادة منه لِما عبدوا في الماضي.
ثم قال :﴿ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴾ على التكرير في اللفظ دون المعنى، من قِبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد، إشعاراً بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر.
وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله عز وجل.
وقال :"ما أعبدُ"، ولم يقل : مَنْ أعبد ؛ ليقابل به "ولا أنا عابِد ما عبدتم" وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا "ما" دون "مَنْ" فحُمل الأوّل على الثاني، ليتقابل الكلام ولا يتنافى.
وقد جاءت "ما" لمن يعقل.
ومنه قولهم : سبحان ما سخركنّ لنا.
وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يا أيها الكافرون لا أَعبد الأصنام التي تعبدونها، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده ؛ لإشراككم به، واتخاذكم الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون ؛ لأنكم تعبدونه مشركين.
فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم ؛ ف"ما" مصدرية.
وكذلك "ولا أنتم عابِدون ما أعبد" مصدرية أيضاً ؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي، التي هي توحيد.
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
فيه معنى التهديد ؛ وهو كقوله تعالى :﴿ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ [ القصص : ٥٥ ] أي إن رضيتم بدينكم، فقد رضينا بديننا.
وكان هذا قبل الأمر بالقتال، فنسخ بآية السيف.
وقيل : السورة كلها منسوخة.
وقيل : ما نسخ منها شيء لأنها خبر.
ومعنى "لكم دينكم" أي جزاء دينكم، ولي جزاء ديني.
وسمى دينهم ديناً، لأنهم اعتقدوه وَتَولَّوه.