وقال ابن جزى :
سورة الْكَافِرُونَ
سبب هذه السورة " أن قوماً من قريش منهم الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل وأبو جهل ونظراؤهم قالوا : يا محمد اتبع ديننا ونتبع دينك، أعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. فقال : معاذ الله أن نشرك بالله شيئاً، ونزلت السورة " في معنى البراءة من آلهتهم ولذلك قال رسول الله ﷺ : من قرأها برئ من الشرك ﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى بقوله :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ ؟ فالجواب من وجهين أحدهما قاله الزمخشري وهو أن قوله :﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ يريد في الزمان المستقبل وقوله :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ يريد به فيما مضى، أي ما كنت قط عابداً ما عبدتم فيما سلف، فكيف تطلبون ذلك مني الآن. الثاني قاله ابن عطية : وهو أن قوله : لا أعبد ما تعبدون لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ أي : أبداً ما عشت. لأن لا النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال فقوله : لا أعبد لا يحتمل أن يراد به الحال. ويحتمل عندي أن يكون قوله :﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ يراد به في المستقبل. على حسب ما تقتضيه لا من الاستقبال، ويكون قوله :﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ يريد به في الحال، فيحصل من المجموع نفي عبادته الأصنام في الحال والاستقبال. ومعنى الحال في قوله ﴿ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴾ ثم أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري، ومن معنى الاستقبال فإن قولك : ما زيد بقائم ينفي الجملة الاسمية يقتضي الحال.