فهذا كما قيل لنوح عليه السلام :﴿ أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾ أما أن هذا في معينين، وقوم نوح عموا بذلك، فهذا معنى الترديد الذي في السورة، وهو بارع الفصاحة، وليس بتكرار فقط، بل فيه ما ذكرته، انتهى.
وقال الزمخشري :﴿ لا أعبد ﴾، أريدت به العبادة فيما يستقبل، لأن لا لا تدخل إلا على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع في معنى الحال، والمعنى : لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي.
﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ : أي وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه، يعني : لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية، فكيف ترجى مني في الإسلام؟ ﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ : أي وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته.
فإن قلت : فهلا قيل ما عبدت كما قيل ما عبدتم؟ قلت : لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل البعث، وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت، انتهى.
أما حصره في قوله : لأن لا لا تدخل، وفي قوله : ما لا تدخل، فليس بصيح، بل ذلك غالب فيهما لا متحتم.
وقد ذكر النحاة دخول لا على المضارع يراد به الحال، ودخول ما على المضارع يراد به الاستقبال، وذلك مذكور في المبسوطات من كتب النحو ؛ ولذلك لم يورد سيبويه ذلك بأداة الحصر، إنما قال : وتكون لا نفياً لقوله يفعل ولم يقع الفعل.
وقال : وأما ما فهي نفي لقوله هو يفعل إذا كان في حال الفعل، فذكر الغالب فيهما.
وأما قوله : في قوله ﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ : أي وما كنت قط عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه، فلا يستقيم، لأن عابداً اسم فاعل قد عمل فيما عبدتم، فلا يفسر بالماضي، إنما يفسر بالحال أو الاستقبال ؛ وليس مذهبه في اسم الفاعل مذهب الكسائي وهشام من جواز إعماله ماضياً.