البحر المحيط، ج ١، ص : ٦١٠
مفعل من القيام، يراد به المكان، أي مكان قيامه، وهو الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت، وغرقت قدماه فيه، قاله ابن عباس وجابر وقتادة وغيرهم، وخرجه البخاري، وهو الآن موضع ذلك الحجر والمسمى مقام إبراهيم. وعن عمر أنه سأل المطلب بن أبي رفاعة : هل تدري أين كان موضعه الأول؟ قال نعم، فأراه موضعه اليوم. قال أنس : رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، حكاه القشيري. أو حجر جاءت به أم إسماعيل إليه وهو راكب، فاغتسل عليه، فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه، قاله الربيع بن أنس أو مواقف الحج كلها، قاله ابن عباس أيضا وعطاء ومجاهد، أو عرفة والمزدلفة والجمار، قاله عطاء والشعبي، لأنه قام في هذه المواضع ودعا فيها أو الحرم كله، قاله النخعي ومجاهد أو المسجد الحرام، قاله قوم. واتفق المحققون على القول الأول ورجح بحديث عمر : أفلا نتخذه مصلى؟ الحديث، وبقراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لما فرغ من الطواف وأتى المقام : وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، فدل على أن المراد منه ذلك الموضع، ولأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، ولأن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه، وفي ذلك معجزة له، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره. فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى، ولأن المقام هو موضع القيام، وثبت قيامه على الحجر ولم يثبت على غيره. مصلى : قبلة، قاله الحسن. موضع صلاة، قاله قتادة. موضع دعاء، قاله مجاهد، والأولى الحمل على الصلاة الشرعية لا على الصلاة لغة. قال ابن عطية : موضع صلاة على قول من قال المقام : الحجر، ومن قال غيره قال :
مصلى، مدعى على أصل الصلاة، يعني في اللغة. انتهى.
وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أي أمرنا أو وصينا، أو أوحينا، أو قلنا أقوال متقاربة المعنى. أَنْ طَهِّرا : يحتمل أن تكون أن تفسيرية، أي طهرا، ففسر بها العهد، ويحتمل أن تكون مصدرية، أي بأن طهرا. فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب، وعلى الثاني يحتمل الجرّ والنصب على اختلاف النحويين. إذا حذف من أن حرف الجر، هل المحل نصب أو خفض؟ وقد تقدّم لنا الكلام مرة في وصل أن بفعل الأمر، وأنه نص على ذلك سيبويه وغيره، وفي ذلك نظر، لأن جميع ما ذكر من ذلك محتمل، ولا أحفظ من كلامهم : عجبت من أن أضرب زيدا، ولا يعجبني أن أضرب زيدا، فتوصل بالأمر، ولأن انسباك المصدر يحيل معنى الأمر ويصيره مستندا إليه وينافي ذلك الأمر. والتطهير : المأمور


الصفحة التالية
Icon