البحر المحيط، ج ١، ص : ٦١٦
ومن ذريتي على الكاف في جاعلك فقال : فإن قلت : لم خص إبراهيم المؤمنين حتى رد عليه؟ قلت : قاس الرزق على الإمامة، فعرف الفرق بينهما، لأن الاستخلاف استرعاء مختص بمن ينصح للمرعى. وأبعد الناس عن النصيحة الظالم، بخلاف الرزق، فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له. والمعنى : وارزق من كفر فأمتعه. انتهى كلامه. فظاهر قوله والمعنى : وارزق من كفر فأمتعه يدل على أن الضمير في قال، ومن كفر عائد على اللّه، وأن من كفر منصوب بارزق الذي هو فعل مضارع مسند إلى اللّه تعالى، وهو يناقص ما قدم أولا من أن من كفر معطوف على من آمن. وفي قوله خص إبراهيم المؤمنين حتى رد عليه سوء أدب على الأنبياء، لأنه لم يرد عليه، لأنه لا يدعي، ويرغب في أن يرزق الكافر، بل قوله تعالى : قالَ وَمَنْ كَفَرَ، إخبار من اللّه تعالى بما يكون مآل الكافر إليه من التمتيع القليل والصيرورة إلى النار، وليس هنا قياس الرزق على الإمامة، ولا تعريف الفرق بينهما، كما زعم.
وقد تقدم تفسير المتاع، وأنه كل ما انتفع به، وفسر هنا التمتيع والإمتاع بالإبقاء، أو بتيسير المنافع، ومنه متاع الحياة الدنيا، أي منفعتها التي لا تدوم، أو بالتزويد، ومنه :
فمتعوهن أي زوّدوهنّ نفقة. والمتعة : ما يتبلغ به من الزاد، والجمع متع، ومنه : متاعا لكم. وللسيارة والهمزة في أمتع يجعل الشيء صاحب ما صيغ منه : أمتعت زيدا، جعلته صاحب متاع، كقولهم : أقبرته وأنعلته، وكذلك التضعيف في متع هو : يجعل الشيء بمعنى ما صيغ منه نحو قولهم : عدلته. وليس التضعيف في متع يقتضي التكثير، فينافي ظاهر ذلك القلة، فيحتاج إلى تأويل، كما ظنه بعضهم وتأوّله على أن الكثرة بإضافة بعضها إلى بعض، والقلة بالإضافة إلى نعيم الآخرة. فقد اختلفت جهتا الكثرة والقلة فلم يتنافينا.
وانتصاب قليلا على أنه صفة لظرف محذوف، أي زمانا قليلا، أو على أنه صفة لمصدر محذوف، أي تمتيعا قليلا، على تقدير الجمهور، أو على الحال من ضمير المصدر المحذوف، الدال عليه الفعل، وذلك على مذهب سيبويه. والوصف بالقلة لسرعة انقضائه، إما لحلول الأجل، وإما بظهور محمد صلّى اللّه عليه وسلّم فيقتله، أو يخرجه عن هذا البلد، إن أقام على الكفر والإمتاع بالنعيم والزينة، أو بالإمهال عن تعجيل الانتقام فيها، أو بالرزق، أو بالبقاء في الدنيا، أقوال للمفسرين. وقراءة يحيى بن وثاب : ثم اضطره بكسر الهمزة.
قال ابن عطية، على لغة قريش، في قولهم : لا إخال، يعني بكسر الهمزة. وظاهر هذا النقل في أن ذلك، أعني كسر الهمزة التي للمتكلم في نحو اضطر، وهو ما أوله همزة


الصفحة التالية
Icon