البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٢٠ والمراد بالتقبل : الإثابة، عبر بإحدى المتلازمين عن الآخر، لأن التقبل هو أن يقبل الرجل من الرجل ما يهدي إليه. فشبه الفعل من العبد بالعطية، والرضا من اللّه تعالى بالتقبل توسعا. وحكى بعض المفسرين عن بعض الناس فرقا بين القبول والتقبل، قال : التقبل تكلف القبول، وذلك حيث يكون العمل ناقصا لا يستحق أن يقبل، قال : فهذا اعتراف من إبراهيم وإسماعيل بالتقصير في العمل. ولم يكن المقصود إعطاء الثواب، لأن كون الفعل واقعا موقع القبول من المخدوم، ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه، وسؤالهما التقبل بذلك، على أن ترتيب الثواب على العمل ليس واجبا على اللّه تعالى، انتهى ملخصا. ونقول : إن التقبل والقبول سواء بالنسبة إلى اللّه تعالى، إذ لا يمكن تعقل التكليف بالنسبة إليه تعالى. وقد قدمنا أن تفعل هنا موافق للفعل المجرد الذي هو قبل.
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ : يجوز في أنت الابتداء والفصل والتأكيد. وقد تقدّم الكلام في الفصل وفائدته، وهو من المسائل التي جمعت فيها الكلام في نحو من سبعة أوراق أحكاما دون استدلال. وهاتان الصفتان مناسبتان هنا غاية التناسب، إذ صدر منهما عمل وتضرع سؤال، فهو السميع لضراعتهما وتسالهما التقبل، وهو العليم بنياتهما في إخلاص عملهما. وتقدّمت صفة السمع، وإن كان سؤال التقبل متأخرا عن العمل للمجاورة نحو قوله : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ «١». فأما الذين اسودت وتأخرت صفة العليم لكونها فاصلة ولعمومها، إذ يشمل علم المسموعات وغير المسموعات. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ : أي منقادين، أو مخلصين أوجهنا لك من قوله : من أسلم وجهه، أي أخلص عمله، والمعنى : أدم لنا ذلك، لأنهما كانا مسلمين، ولك تفيد جهة الإسلام، أي لك لا لغيرك. وقرأ ابن عباس وعوف الأعرابي : مسلمين على الجمع، دعاء لهما وللموجود من أهلهما، كهاجر، وهذا أولى من جعل لفظ الجمع مرادا به التثنية، وقد قيل به هنا.
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ : لما تقدّم الجواب له بقوله : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، علم أن من ذريتهما الظالم وغير الظالم، فدعا هنا بالتبعيض لا بالتعميم فقال :
وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا، وخص ذريته بالدعاء للشفقة والحنوّ عليهم، ولأن في صلاح نسل الصالحين نفعا كثيرا لمتبعهم، إذ يكونون سببا لصلاح من وراءهم. والذرية هنا، قيل : أمّة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، بدليل قوله : وَابْعَثْ فِيهِمْ «٢». وقيل : هم العرب، لأنهم من ذريتهما. قال :

_
(١) سورة آل عمران : ٦/ ١٠٦.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٢٩.


الصفحة التالية
Icon