البحر المحيط، ج ٢، ص : ١١٦
والمجرور في قوله : به، والضمير في به عائد على ما، إذ هي موصولة بمعنى الذي. ومعنى أهل بكذا، أي صالح. فالمعنى : وما صيح به، أي فيه، أي في ذبحه لغير اللّه، ثم صار ذلك كناية عن كل ما ذبح لغير اللّه، صيح في ذبحه أو لم يصح، كما ذكرناه قبل. وفي ذبيحة المجوسي خلاف. وكذلك فيما حرم على اليهودي والنصراني بالكتاب. أما ما حرموه باجتهادهم، فذلك لنا حلال. ونقل ابن عطية عن مالك : الكراهة فيما سمى عليه الكتابي اسم المسيح، أو ذبحه لكنيسة، ولا يبلغ به التحريم.
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وقال : فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ «١». وقال : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ «٢»، فلم يقيد في هذه الآية الاضطرار، وقيده فيما قبل. فإن المضطر يكون غير متجانف لإثم. وفي الأولى بقوله : غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ. قال مجاهد وابن جبير وغيرهما : غير باغ على المسلمين وعاد عليهم. فيدخل في الباغي والعادي : قطاع السبيل، والخارج على السلطان، والمسافر في قطع الرحم، والغارة على المسلمين وما شاكله، ولغير هؤلاء هي الرخصة. وإلى هذا ذهب الشافعي، وهو أنه إذا لم يخرج باغيا على إمام المسلمين، ولم يكن سفره في معصية، فله أن يأكل من هذه المحرّمات إذا اضطر إليها. وإن كان سفره في معصية، أو كان باغيا على الإمام، لم يجز له أن يأكل. وقال عكرمة وقتادة والربيع وابن زيد وغيرهم : غير قاصد فساد وتعدّ، بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة. وقال ابن عباس والحسن : غير باغ في الميتة في الأكل، ولا عاد بأكلها، وهو يجد غيرها، وهو يرجع لمعنى القول قبله. وبه قال أبو حنيفة ومالك : وأباح هؤلاء للبغاة الخارجين على المسلمين الأكل من هذه المحرّمات عند الاضطرار، كما أبا حوا لأهل العدل. وقال السدي : غير باغ، أي متزيد على إمساك رمقه وإبقاء قوّته، فيجيء أكله شهوة، ولا عاد، أي متزوّد. وقيل : غير باغ، أي مستحل لها، ولا عاد، أي متزوّد منها. وقال شهر بن حوشب : غير باغ، أي مجاوز القدر الذي يحل له، ولا عاد، أي لا يقصده فيما لا يحل له.
والظاهر من هذه الأقوال، على ما يفهم من ظاهر الآية، أنه لا إثم في تناول شيء من هذه المحرمات للمضطر الذي ليس بباغ ولا عاد. وإن قوله : إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ، لا بد فيه من التقييد المذكور هنا، وفي قوله : غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ، لأن آية الأنعام فيها

_
(١) سورة المائدة : ٥/ ٣.
(٢) سورة الأنعام : ٦/ ١١٩.


الصفحة التالية
Icon