البحر المحيط، ج ٢، ص : ١١٧
حوالة على هاتين الآيتين، لأنه قال : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ. وتفصيل المحرّم هو في هاتين الآيتين، والاضطرار فيهما مقيد، فتعين أن يكون مقيدا في الآية التي أحيلت على غيرها. والظاهر في البغي والعدوان، أن ذلك من قبل المعاصي، لأنهما متى أطلقتا، تبادر الذهن إلى ذلك. وفي جواز مقدار ما يأكل من الميتة، وفي التزوّد منها، وفي شرب الخمر عند الضرورة قياسا على هذه المحرمات. وفي أكل ابن آدم خلاف مذكور في كتب الفقه، قالوا : وإن وجد ميتة وخنزيرا، أكل الميتة، قالوا : لأنها أبيحت له في حال الاضطرار، والخنزير لا يحل بحال، وليس كما قالوا، لأن قوله : فَمَنِ اضْطُرَّ جاء بعد ذكر تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير. فالمعنى : فمن اضطر إلى أكل شيء من هذه المحرمات، فرتبتها في الإباحة للأكل منها متساوية، فليس شيء منها أولى من الآخر بالإباحة، والمضطر مخير فيما يأكل منها. فقولهم : إن الخنزير لا يحل بحال ليس بصحيح.
وذكر بعض المفسرين أنهم أجمعوا على أن من سافر لغزو، أو حج، أو تجارة، وكان مع ذلك باغيا في أخذ مال، أو عاديا في ترك صلاة أو زكاة، لم يكن ما هو عليه من البغي والعدوان مانعا من استباحة الميتة للضرورة. وأنهم أجمعوا أيضا على جواز الترخيص للباغي، أو العادي الحاضر، وفي نقل هذين الإجماعين نظر.
واختلف القراء في حركة النون من قوله : فَمَنِ اضْطُرَّ، وَأَنِ احْكُمْ «١»، وَلكِنِ انْظُرْ «٢»، وشبهه وحركة الدال من : وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ «٣»، والتاء من : وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ «٤»، وحركة التنوين من : فَتِيلًا انْظُرْ «٥»، ونحوه، وحركة اللام من نحو : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ «٦»، والواو من نحو : أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ «٧»، فكسر ذلك عاصم وحمزة، وحركها أبو عمرو، إلا في اللام والواو وعباس ويعقوب، إلا في الواو وضم باقي السبعة، إلا ابن ذكوان، فإنه كسر التنوين. وعنه في : بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا «٨»، وخَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ «٩» خلاف، وضابط هذا أنه يكون ضمة هذه الأفعال لازمة، فإن كانت عارضة، فالكسر نحو : أَنِ امْشُوا «١٠»، وتوجيه الكسر أنه حركة التقاء الساكنين، والضم أنه اتباع.
(١) سورة المائدة : ٥/ ٤٩.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٤٣.
(٣) سورة الأنعام : ٦/ ١٠.
(٤) سورة يوسف : ١٢/ ٣١.
(٥) سورة النساء : ٤/ ٤٩ - ٥٠.
(٦) سورة الإسراء : ١٧/ ١١٠.
(٧) سورة الإسراء : ١٧/ ١١٠.
(٨) سورة الأعراف : ٧/ ٤٩.
(٩) سورة إبراهيم : ١٤/ ٢٦. [.....]
(١٠) سورة ص : ٣٨/ ٦.