البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٢٠
وشبه ذلك. وقيل : التوراة والإنجيل، ووحد اللفظ على المكتوب، ويكون الكاتمون اليهود والنصارى. وصف اللّه نبيه في الكتابين، ونعته فيهما وسماه فقال : يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ «١»، وقال : وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ»
والطائفتان أنكروا صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقد شهدت التوراة والإنجيل بذلك، والنصوص موجودة فيهما، إلا أن في مواضع منها في التوراة في الفصل التاسع، وفي الفصل العاشر من السفر الأول، وفي الفصل العشرين من السفر الخامس. ومنها في الإنجيل مواضع تدلّ على ذلك، قد ذكر جميعها، من تعرض للكلام على ذلك. وقيل : الكتاب المكتوب، وهو أعم من التوراة والإنجيل، فيتناول كل من كتم ما أنزل اللّه مما يتعلق بالأحكام قديما وحديثا، وكل كاتم لحق وساتر لأمر مشروع.
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا : لما تعوضوا عن الكتم شيئا من سحت الدّنيا، أشبه ذلك البيع والشراء، لانطوائهما على عوض ومعوض عنه، فأطلق عليه اشتراء. وبه : الضمير عائد على الكتمان، أو الكتاب، أو على الموصول الذي هو : ما أقوال ثلاثة، أظهرها الآخر، ويكون على حذف مضاف، أي بكتم ما أنزل اللّه به. والفرق بين هذا القول وقول من جعله عائدا على الكتم، أنه يكون في ذلك القول عائدا على المصدر المفهوم من قوله : يَكْتُمُونَ، وفي هذا عائدا على ما على حذف مضاف، وتقدم الكلام في تفسير قوله : لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا «٣»، فأغنى عن إعادته، إلا فعل الاشتراء جعل علة هناك، وهنا جعل معطوفا على قوله : يَكْتُمُونَ، ورتب الخبر على مجموع الأمرين من الكتم والاشتراء، لأن الكتم ليست أسبابه منحصرة في الاشتراء، بل الاشتراء بعض أسبابه. فكتم ما أنزل اللّه من الكتاب، وهو أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإنكار نبوته وتبديل صفته، كان لأمور منها البغي، بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ «٤». ومنها الخسارة، لكونه من العرب لا منهم.
ومنها طلب الرياسة، وأن يستتبعوا أهل ملتهم. ومنها تحصيل أموالهم ورشاء ملوكهم وعوامهم.
أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ : أتى بخبر إن جملة، لأنها أبلغ من المفرد، وصدر بأولئك، إذ هو اسم إشارة دال على اتصاف المخبر عنه بالأوصاف السابقة.
وقد تقدم لنا الكلام في ذلك في قوله : أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ «٥» ثم أخبر عن
(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٥٧.
(٢) سورة الصف : ٦١/ ٦.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٧٩.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٩٠.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ٥.