البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٦٩
وقال عطاء، وابن زيد : الجنف : الميل، والإثم أن يكون قد أثم في إيثاره بعض الورثة على بعض، وقال السدي : الجنف : الخطأ، والإثم العمد.
وأما الحيف فمعناه : البخس، وذلك بأن يريد أن يعطي بعض الورثة دون بعض قال الفراء : تحيف : مال أي : نقصه من حافاته، وروي : من حاف في وصيته ألقي في ألوى، وألوى واد في جهنم.
فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ : الضمير عائد على الموصي والورثة، أو على الموصى لهما وعلى الورثة والموصى لهم على اختلاف الأقاويل التي سبقت، والظاهر عوده على الموصى لهم، إذ يدل على ذلك لفظ : الموصي، لما ذكر الموصي أفاد مفهوم الخطاب أن هناك موصى له، كما قيل في قوله : وَأَداءٌ إِلَيْهِ «١» أي : إلى العافي، لدلالة من عفى له، ومنه ما أنشده الفراء رحمه اللّه تعالى :
وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني
فقال : أيهما، فأعاد الضمير على الخير والشر، وإن لم يتقدم ذكر الشر، لكنه تقدم الخير وفيه دلالة على الشر.
والظاهر أن هذا المصلح هو الوصي، والمشاهد ومن يتولى بعد موته ذلك من وال، أو ولي، أو من يأمر بالمعروف فكل هؤلاء يدخل تحت قوله : فَمَنْ خافَ إذا ظهرت لهم أمارات الجنف أو الإثم، ولا وجه لتخصيص الخائف بالوصي، وأما كيفية هذا الإصلاح فبالزيادة أو النقصان، أو كف للعدوان فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ يعني : في تبديل الوصية إذا فعل ذلك لقصد الإصلاح، والضمير : عليه، عائد على من عاد عليه ضمير : فأصلح، وضمير : خاف، وهو :
من، وهو : الخائف المصلح.
وقال أبو عبد اللّه محمد بن عمر الرازي، لما ذكر المبدل في أول الآية : وكان هذا من التبديل بين مخالفته للأول، وأنه لا إثم عليه، لأنه رد الوصية إلى العدد، ولما كان المصلح ينقص الوصايا، وذلك يصعب على الموصى له، أزال الشبهة بقوله : فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وإن حصل فيه مخالفة لوصية الموصي، وصرف ماله عن من أحب إلى من يكره.
انتهى. وهذا يرجع معناه إلى قوله الأول. وقال أيضا : إن الإصلاح يحتاج إلى الإكثار من

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٧٨.


الصفحة التالية
Icon