البحر المحيط، ج ٢، ص : ١٨٥
الأيام التي أفطرت اجتزاء، إذ المعلوم أنه لا يجب عليه عدة غير ما أفطر فيه مما صامه، والعدة هي المعدود، فكان التنكير أخصر ومِنْ أَيَّامٍ في موضع الصفة لقوله فعدة، وأخر :
صفة لأيام، وصفة الجمع الذي لا يعقل تارة يعامل معاملة الواحدة المؤنثة وتارة يعامل معاملة جمع الواحدة المؤنثة. فمن الأول : إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً «١» ومن الثاني : إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ «٢» فمعدودات : جمع لمعدودة. وأنت لا تقول : يوم معدودة، إنما تقول :
معدود، لأنه مذكر، لكن جاز ذلك في جمعه، وعدل عن أن يوصف الأيام بوصف الواحدة المؤنث، فكان، يكون : من أيام أخرى، وإن كان جائزا فصيحا كالوصف بأخر لأنه كان يلبس أن يكون صفة لقوله فَعِدَّةٌ، فلا يدرى أهو وصف لعدة، أم لأيام، وذلك لخفاء الإعراب لكونه مقصورا، بخلاف : أُخَرَ فإنه نص في أنه صفة لأيام لاختلاف إعرابه مع إعراب فعدة، أفلا ينصرف للعلة التي ذكرت في النحو، وهي جمع أخرى مقابله أخر؟
وآخر مقابل أخريين؟ لا جمع أخرى لمعنى أخرة، مقابلة الآخر المقابل للأول، فإن أخر تأنيث أخرى لمعنى أخرة مصروفة. وقد اختلفا حكما ومدلولا. أما اختلاف الحكم فلأن تلك غير مصروفة، وأما اختلاف المدلول : فلأن مدلول أخرى، التي جمعها أخر التي لا تتصرف، مدلول : غير، ومدلول أخرى التي جمعها ينصرف مدلول : متأخرة، وهي قابلة الأولى. قال تعالى : قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ»
فهي بمعنى : الآخرة، كما قال تعالى :
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى «٤» وأخر الذي مؤنثه : أخرى مفردة آخر التي لا تتصرف بمعنى :
غير، لا يجوز أن يكون ما اتصل به إلّا من جنس ما قبله، تقول : مررت بك وبرجل آخر، ولا يجوز : اشتريت هذا الفرس وحمارا آخر، لأن الحمار ليس من جنس الفرس، فأما قوله :
صلى على عزة الرحمان وابنتها ليلى، وصلى على جاراتها الأخر
فإنه جعل : ابنتها جارة لها، ولو لا ذلك لم يجز، وقد أمعنا الكلام على مسألة أخرى في كتابنا (التكميل).
قالوا : واتفقت الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار على جواز الصوم للمسافر، وأنه لا قضاء عليه إذا صام، لأنهم، كما ذكرنا، قدروا حذفا في الآية، والأصل :

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٨٠.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ٢٤.
(٣) سورة الأعراف : ٧/ ٣٩.
(٤) سورة الليل : ٩٢/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon