البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٠٨
بالأمر به، وقد دعت الأنبياء والرسل، ونزلت بالأمر به الكتب الإلهية، وفي هذا رد على من زعم من الجهال أن الدعاء لا فائدة فيه، وذكر شبها له على ذلك ردها أهل العلم بالشريعة، وقالوا : الأولى بالعبد التضرع والسؤال إلى اللّه تعالى، وإظهار الحاجة إليه لما روي من النصوص الدالة على الترغيب في الدعاء، والحث عليه، وقال قوم ممن يقول فيهم بعض الناس، إنهم علماء الحقيقة : يستحب الدعاء فيما يتعلق بأمور الآخرة، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فاللّه متكفل، فلا حاجة إليها.
وقال قوم منهم. إن كان في حالة الدعاء أصلح، وقلبه أطيب، وسره أصفى، ونفسه أزكى، فليدع وإن كان في الترك أصلح فالإمساك عن الدعاء أولى به.
وقال قوم منهم : ترك الدعاء في كل حال أصلح لما فيه من الثقة باللّه، وعدم الاعتراض، ولأنه اختيار والعارف ليس له اختيار.
وقال قوم منهم : ترك الذنوب هو الدعاء لأنه إذا تركها تولى اللّه أمره وأصلح شأنه، قال تعالى : وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ «١».
وقد تؤولت الإجابة والدعاء هنا على وجوه. أحدها : أن يكون الدعاء عبارة عن التوحيد والثناء على اللّه، لأنك دعوته ووجدته، والإجابة عبارة عن القبول لما سمي التوحيد دعاء سمي القبول إجابة، لتجانس اللفظ.
الوجه الثاني : أن الإجابة هو السماع فكأنه قال : أسمع.
الوجه الثالث : أن الدعاء هو التوبة عن الذنوب لأن التائب يدعو اللّه عند التوبة، والإجابة قبول التوبة.
الوجه الرابع : أن يكون الدعاء هو العبادة، وفي الحديث :«الدعاء العبادة» قال تعالى : وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ «٢» ثم قال : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي «٣» والإجابة عبارة عن الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب.
الوجه الخامس : الإجابة أعم من أن يكون بإعطاء المسئول وبمنعه، فالمعنى : إني أختار له خير الأمرين من العطاء والرد.
(١) سورة الطلاق : ٦٥/ ٣.
(٢) سورة غافر : ٤٠/ ٦٠.
(٣) سورة غافر : ٤٠/ ٦٠.