البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢٠٩
وكل هذه التفاسير خلاف الظاهر.
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أي : فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني، قاله ثعلب، فيكون : استفعل، قد جاءت بمعنى الطلب، كاستغفر، وهو الكثير فيها : أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم، قاله مجاهد، وأبو عبيدة، وغيرهما. ويكون :
استفعل، فيه بمعنى أفعل، وهو كثير في القرآن فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ «١» فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى «٢» إلا أن تعديته في القرآن باللام، وقد جاء في كلام العرب معدى بنفسه قال :
وداع دعا يا من يجيب إلى النداء فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي : فلم يجبه، ومثل ذلك، أعني كون استفعل موافق أفعل، قولهم : استبل بمعنى أبل، واستحصد الزرع واحصد، واستعجل الشيء وأعجل، واستثاره وأثاره، ويكون استفعل موافقة أفعل متعديا ولازما، وهذا المعنى أحد المعاني التي ذكرناها لاستفعل في قوله :
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «٣».
وقال أبو رجاء الخراساني : معناه فليدعوا لي، وقال الأخفش : فليذعنوا الإجابة، وقال مجاهد أيضا، والربيع : فليطيعوا، وقيل : الاستجابة هنا التلبية، وهو : لبيك اللهم لبيك، واللام لام الأمر، وهي ساكنة، ولا نعلم أحدا قرأها بالكسر.
وَلْيُؤْمِنُوا بِي معطوف على : فليجيبوا لي، ومعناه الأمر بالإيمان باللّه، وحمله على الأمر بإنشاء الإيمان فيه بعد لأن صدر الآية يقتضي أنهم مؤمنون، فلذلك يؤول على الديمومة، أو على إخلاص الدين، والدعوة، والعمل، أو في الثواب على الاستجابة لي بالطاعة أو بالإيمان وتوابعه، أو بالإيمان في : أني أجيب دعاءهم، خمسة أقوال آخرها لأبي رجاء الخراساني.
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ قراءة الجمهور بفتح الياء وضم الشين، وقرأ قوم : يرشدون مبنيا للمفعول، وروي عن أبي حيوة، وإبراهيم بن أبي عبلة : يرشدون بفتح الياء وكسر الشين، وذلك باختلاف عنهما، وقرىء أيضا يرشدون بفتحهما، والمعنى : أنهم إذا استجابوا للّه
(١) سورة آل عمران : ٣/ ١٩٥.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٩٠. [.....]
(٣) سورة الفاتحة : ١/ ٥.