البحر المحيط، ج ٢، ص : ٢١٠
وآمنوا به كانوا على رجاء من حصول الرشد لهم، وهو الاهتداء لمصالح دينهم ودنياهم، وختم الآية برجاء الرشد من أحسن الأشياء لأنه تعالى لما أمرهم بالاستجابة له، وبالإيمان به، نبه على أن هذا التكليف ليس القصد منه إلّا وصولك بامتثاله إلى رشادك في نفسك، لا يصل إليه تعالى منه شيء من منافعه، وإنما ذلك مختص بك.
ولما كان الإيمان شبه بالطريق المسلوك في القرآن، ناسب ذكر الرشاد وهو :
الهداية، كما قال تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «٢» وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «٣».
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ سبب نزول هذه الآية ما
رواه البخاري، عن البراء : لما نزل صوم رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فنزلت، وقيل : كان الرجل إذا أمسى حل له الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة، أو يرقد، فإذا صلاها أو رقد ولم يفطر حرم عليه ما حل له قبل إلى القابلة، وأن عمر، وكعبا الأنصاري، وجماعة من الصحابة واقعوا أهلهم بعد العشاء الآخرة، وأن قيس بن صرمة الأنصاري نام قبل أن يفطر وأصبح صائما فغشي عليه عند انتصاف النهار، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت.
وقال بعض العلماء : نزلت الآية في زلة ندرت، فجعل ذلك سبب رخصة لجميع المسلمين إلى يوم القيامة، هذا أحكام العناية.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها من الآيات أنها من تمام الأحوال التي تعرض للصائم، ولما كان افتتاح آيات الصوم بأنه : كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا، اقتضى عموم التشبيه في الكتابة، وفي العدد، وفي الشرائط، وسائر تكاليف الصوم. وكان أهل الكتاب قد أمروا بترك الأكل بالحل، والشرب والجماع في صيامهم بعد أن يناموا، وقيل : بعد العشاء، وكان المسلمون كذلك، فلما جرى لعمر وقيس ما ذكرناه في سبب النزول، أباح اللّه لهم ذلك من أول الليل إلى طلوع الفجر، لطفا بهم. وناسب أيضا قوله تعالى : في آخر آية الصوم : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وهذا من التيسير.

_
(١) سورة الفاتحة : ١/ ٦.
(٢) سورة الشورى : ٤٢/ ٥٢.
(٣) سورة الصافات : ٣٧/ ١١٨.


الصفحة التالية
Icon