البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٨٦
فيؤول إلى معنى قراءة الجمهور من خفض المسجد الحرام على أحسن التأويلات التي نذكرها، فنقول : اختلفوا فيما عطف عليه والمسجد، فقال ابن عطية، والزمخشري، وتبعا في ذلك المبرد : هو معطوف على : سبيل اللّه، قال ابن عطية : وهذا هو الصحيح، ورد هذا القول بأنه إذا كان معطوفا على : سبيل اللّه، كان متعلقا بقوله : وصدّ إذ التقدير : وصدّ عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام، فهو من تمام عمل المصدر، وقد فصل بينهما بقوله : وكفر به، ولا يجوز أن يفصل بين الصلة والموصول، وقيل : معطوف على الشهر الحرام، وضعف هذا بأن القوم لم يسألوا عن الشهر الحرام، إذ لم يشكوا في تعظيمه، وإنما سألوا عن القتال في الشهر الحرام، لأنه وقع منهم ولم يشعروا بدخوله، فخافوا من الإثم. وكان المشركون عيروهم بذلك، انتهى، ما ضعف به هذا القول، وعلى هذا التخريج يكون السؤال عن شيئين : أحدهما : عن قتال في الشهر الحرام، والآخر : عن المسجد الحرام والمعطوف على الشهر الحرام، والشهر الحرام لم يسأل عنه لذاته، إنما سئل عن القتال فيه، فكذلك المعطوف عليه يكون السؤال عن القتال فيه، فيصير المعنى : يسألونك عن قتال في الشهر الحرام، وفي المسجد الحرام، فأجيبوا : بأن القتال في الشهر الحرام كبير، وصد عن سبيل اللّه، وكفر به، ويكون : وصد عن سبيل اللّه، على هذا، معطوفا على قوله :
كبير، أي : القتال في الشهر الحرام أخبر عنه بأنه إثم كبير، وبأنه صد عن سبيل اللّه وكفر به.
ويحتمل أن يكون : وصد، مبتدأ وخبره محذوف لدلالة خبر : قتال، عليه، التقدير :
وصد عن سبيل اللّه وكفر به كبير، كما تقول : زيد قائم وعمرو، أي : وعمرو قائم، وأجيبوا بأن : القتال في المسجد الحرام إخراج أهله منه أكبر عند اللّه من القتال فيه، وكونه معطوفا على الشهر الحرام متكلف جدا، ويبعد عنه نظم القرآن، والتركيب الفصيح، ويتعلق كما قيل بفعل محذوف دل عليه المصدر، تقديره : ويصدون عن المسجد الحرام، كما قال تعالى : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ «١» قال بعضهم : وهذا هو الجيد، يعني من التخاريج التي يخرج عليه، والمسجد الحرام وما ذهب إليه غير جيد، لأن فيه الجر بإضمار حرف الجر، وهو لا يجوز في مثل هذا إلّا في الضرورة، نحو قوله :
أشارت كليب بالأكف الأصابع

_
(١) سورة الفتح : ٤٨/ ٢٥.


الصفحة التالية