البحر المحيط، ج ٢، ص : ٣٩٠
هو كبير، وهو صد عن سبيل اللّه. وهذا معنى سائغ حسن، ولا شك أن الكفر باللّه وما عطف عليه أكبر من القتال المذكور. وقوله : ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند اللّه، وهذا بين فساده، ليس بكلام مخلص، لأنه لا يجيء منه ما ذكر إلّا بتكلف بعيد، بل يجيء منه أن إخراج أهل المسجد منه أكبر عند اللّه من القتال المخبر عنه بأنه كبير، وبأنه صد عن سبيل اللّه، فالمحكوم عليه بالأكبرية هو الإخراج، والمفضول فيها هو القتال لا الكفر والفتنة، أي : الكفر والشرك، قاله ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وقتادة وغيرهم.
أو التعذيب الحاصل للمؤمنين ليرجعوا عن الإسلام، فهي أكبر حرما من القتل، والمعنى عند جمهور المفسرين أن الفتنة التي كانت تفتن المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا، أشد اجتراما من قتلهم إياكم في المسجد الحرام، وقيل : المعنى : والفتنة أشد من أن لو قتلوا ذلك المفتون، أي فعلكم بكل إنسان، أشد من فعلنا، لأن الفتنة ألم متجدد، والقتل ألم منقض.
ومن فسر الفتنة بالكفر كان المعنى عنده : وكفركم أشد من قتلنا أولئك، وصرح هنا بالمفضول، وهو قوله : من القتل، ولم يحذف. لأنه لا دليل على حذفه، بخلاف قوله :
أكبر عند اللّه، فإنه تقدم ذكر المفضول عليه، وهو : القتال، وقال عبد اللّه بن جحش في هذه القصة شعرا :
تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منها لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد وكفر به واللّه راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد اللّه رحله لئلا يرى للّه في البيت ساجد
فإنا، وإن عيرتمونا بقتلة وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما، وابن عبد اللّه عثمان بيننا ينازعه غل من القد عاند
وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا الضمير في : يزالون، للكفار، وهذا يدل على أن الضمير المرفوع في قوله : يسألونك، هو الكفار، والضمير المنصوب في : يقاتلونكم، خوطب به المؤمنون، وانتقل عن خطاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى


الصفحة التالية
Icon