البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤١٢
المصاهرة فإن كان اليتيم غلاما زوجه ابنته، أو جارية زوجها ابنه، ورجح هذا القول بأن هذا خلطة لليتيم نفسه، والشركة خلطة لماله، ولأن الشركة داخلة في قوله : قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ولم يدخل فيه الخلط من جهة النكاح، فحمله على هذا الخلط أقرب. وبقوله :
فإخوانكم في الدين، فإن اليتيم إذا كان من أولاد الكفار وجب أن يتحرى صلاح ماله كما يتحرى في المسلم، فوجب أن تكون الإشارة بقوله : فإخوانكم، إلى نوع آخر من المخالطة، وبقوله بعد : ولا تنكحوا المشركات، فكأن المعنى : إن المخالطة المندوب إليها في اليتامى الذين هم لكم إخوان بالإسلام. أو الشرب من لبنه وشربه من لبنك، وأكلك في قصعته وأكله في قصعتك، قاله ابن عباس. أو : خلط المال بالمال في النفقة والمطعم والمسكن والخدم والدواب، فيتناولون من أموالهم عوضا عن قيامكم بأمورهم، بقدر ما يكون أجرة مثل ذلك في العمل، والقائلون بهذا منهم من جوّز له ذلك، سواء كان القيم غنيا أو فقيرا، ومنهم من قال : إذا كان غنيا لم يأكل من ماله. أو : المضاربة التي يحصل بها تنمية أموالهم. والذي يظهر أن المخالطة لم تقيد بشيء لم يقل في كذا فتحمل على أي : مخالطة كانت مما فيه إصلاح لليتيم، ولذلك قال : فإخوانكم، أي : تنظرون لهم نظركم إلى إخوانكم مما فيه إصلاحهم.
وقد اكتنف هذه المخالطة الإصلاح قبل وبعد، فقبل بقوله : قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وبعد بقوله : وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ فالأولى أن يراد بالمخالطة ما فيه إصلاح لليتيم بأي طريق كان، من مخالطة في مطعم أو مسكن أو متاجرة أو مشاركة أو مضاربة أو مصاهرة أو غير ذلك.
وجواب الشرط : فإخوانكم، وهو خبر مبتدأ محذوف أي : فهم إخوانكم، وقرأ أبو مجلز : فإخوانكم على إضمار فعل التقدير : فتخالطون إخوانكم، وجاء جواب السؤال بجملتين : إحداهما : منعقدة من مبتدأ وخبر والثانية : من شرط وجزاء.
فالأولى : تتضمن إصلاح اليتامى وأنه خير، وأبرزت ثبوتية منكرا مبتدأها ليدل على تناوله كل إصلاح على طريق البدلية، ولو أضيف لعم، أو لكان معهودا في إصلاح خاص، فالعموم لا يمكن وقوعه، والمعهود لا يتناول غيره، فلذلك جاء التنكير الدال على عموم البدل، وأخبر عنه : بخير، الدال على تحصيل الثواب، ليبادر المسلم إلى فعل ما فيه الخير طلبا لثواب اللّه تعالى.


الصفحة التالية
Icon