البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤١٣
وأبرزت الثانية : شرطية لأنها أتت لجواز الوقوع لا لطلبه وندبته.
ودل الجواب الأول على ضروب من الأحكام مما فيه مصلحة اليتيم، لجواز تعليمه أمر دين وأدب، والاستيجار له على ذلك، وكالإنفاق عليه من ماله، وقبول ما يوهب له، وتزويجه ومؤاجرته، وبيعه ماله لليتيم، وتصرفه في ماله بالبيع والشراء، وفي عمله فيه بنفسه مضاربة، ودفعه إلى غيره مضاربة، وغير ذلك من التصرفات المنوطة بالإصلاح.
ودل الجواب الثاني على جواز مخالطة اليتامى بما فيه إصلاح لهم، فيخلطه بنفسه في مناكحه وماله بماله في مؤونة وتجارة وغيرهما.
قيل : وقد انتظمت الآية على جواز المخالطة، فدلت على جواز المناهدة التي يفعلها المسافرون في الأسفار، وهي أن يخرج هذا شيئا من ماله، وهذا شيئا من ماله فيخلط وينفق ويأكل الناس، وإن اختلف مقدار ما يأكلون، وإذا أبيح لك في مال اليتيم فهو في مال البالغ بطيب نفسه أجوز.
ونظير جواز المناهدة قصة أهل الكهف : فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ «١» الآية، وقد اختلف في بعض الأحكام التي قدمناها، فمن ذلك : شراء الوصي من مال اليتيم، والمضاربة فيه، وإنكاح الوصي بيتيمته من نفسه، وإنكاح اليتيم لابنته، وهذا مذكور في كتب الفقه.
قيل : وجعلهم إخوانا لوجهين : أحدهما : أخوة الدين، والثاني : لانتفاعهم بهم، إما في الثواب من اللّه تعالى وإما بما يأخذونه من أجرة عملهم في أموالهم، وكل من نفعك فهو أخوك.
وقال الباقر لشخص : رأيتك في قوم لم أعرفهم، فقال : هم إخواني، فقال : أفيهم من إذا احتجت أدخلت يدك في كمه فأخذت منه من غير استئذان؟ قال : لا، قال : إذن لستم بإخوان.
قيل : وفي قوله : فَإِخْوانُكُمْ دليل على أن أطفال المؤمنين مؤمنون في الأحكام لتسمية اللّه تعالى إياهم إخوانا لنا.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ جملة معناها التحذير، أخبر تعالى فيها أنه عالم بالذي
(١) سورة الكهف : ١٨/ ١٩.