البحر المحيط، ج ٢، ص : ٤٢٧
أي : الراجعين إلى ما شرع وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بالماء فيما شرع فيه ذلك فكان ختم الآية بمحبة اللّه من اندرج فيه الأزواج والزوجات. وذكر الفعل ليدل على اختلاف الجهتين من التوبة والتطهر، وأن لكل من الوصفين محبة من اللّه يخص ذلك الوصف، أو كرر ذلك على سبيل التوكيد.
وقد أثنى اللّه تعالى على أهل قباء بقوله : فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «١»
وسألهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن السبب الذي أثنى اللّه به عليهم، فقالوا : كنا نجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء،
أو كلاما هذا معناه.
وقرأ طلحة بن مصرف : المطهرين، بإدغام التاء في الطاء، إذ أصله المتطهرين.
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ في البخاري ومسلم : أن اليهود كانت تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها إن الولد يكون أحول، فنزلت. وقيل : سبب النزول كراهة نساء الأنصار ذلك لما تزوجهم المهاجرون، وكانوا يفعلون ذلك بمكة، يتلذذون بالنساء مقبلات ومدبرات، روى معناه الحاكم في صحيحه، وقيل : سبب ذلك أن بعض الصحابة قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : هلكت! فقال :«وما الذي أهلكك؟» قال : حولت رحلي الليلة، فنزلت.
ومناسبتها لما قبلها ظاهرة، لأنه لما تقدّم فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وكان الإطلاق يقتضي تسويغ إتيانهنّ على سائر احوال الإتيان، أكد ذلك بأن نص بما يدل على سائر الكيفيات، وبين أيضا المحل بجعله حرثا وهو : القبل، والحرث كما تقدّم في قصة البقرة : شق الأرض للزرع، ثم سمى الزرع حرثاصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ
«٢» وسمى الكسب حرثا، قال الشاعر :
إذا أكل الجراد حروث قوم فحرثي همه أكل الجراد
قالوا : يريد فامرأتي، وأنشد أحمد بن يحيى :
إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها وعلى اللّه النبات
وهذه الجملة جاءت بيانا وتوضيحا لقوله : فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وهو المكان الممنوع من استعماله وقت الحيض، ودل ذلك على أن الغرض الأصيل هو طلب النسل :

_
(١) سورة التوبة : ٩/ ١٠٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١١٧.


الصفحة التالية
Icon