البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٣٢
فرض لها، أو لم يفرض. ومطلقة قبل الفرض، سواء دخل بها أو لم يدخل. وسيأتي الكلام على قوله : وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ إن شاء اللّه تعالى.
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ هذا مما يؤكد الوجوب في المتعة، إذ أتى بعد الأمر الذي هو ظاهر في الوجوب بلفظة : على، التي تستعمل في الوجوب، كقوله :
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ «١» فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ «٢» والموسع : الموسر، والمقتر : الضيق الحال، وظاهره اعتبار حال الزوج، فمن اعتبر ذلك بحال الزوجة دون الزوج، أو بحال الزوج والزوجة، فهو مخالف للظاهر، وقد جاء هذا القدر مبهما، فطريقة الاجتهاد وغلبة الظن إذ لم يأت فيه بشيء مؤقت.
ومعنى : قدره، مقدار ما يطيقه الزوج، وقال ابن عمر أدناها ثلاثون درهما أو شبهها، وقال ابن عباس : أرفعها خادم ثم كسوة ثم نفقة، وقال عطاء : من أوسط ذلك درع وخمار وملحفة، وقال الحسن : يمتع كل على قدره هذا بخادم، وهذا بأثواب، وهذا بثوب، وهذا بنفقة، وهذا قول مالك
ومتع الحسن بن عليّ بعشرين ألفا وزقاق من عسل
، ومتع عائشة الخثعمية بعشرة آلاف، فقالت :
متاع قليل من حبيب مفارق ومتع شريح بخمسمائة درهم.
وقال ابن مجلز : على صاحب الديوان ثلاثة دنانير، وقال ابن المسيب : أفضل المتعة خمار، وأوضعها ثوب. وقال حماد : يمتعها بنصف مهر مثلها.
وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لرجل من الأنصار، تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا، ثم طلقها قبل أن يمسها :«أمتعتها» قال : لم يكن عندي شيء قال :«متعها بقلنسوتك»
. وعند أبي حنيفة لا تنقص عن خمسة دراهم، لأن أقل المهر عنده عشرة دراهم، فلا ينقص من نصفها. وقد متع عبد الرحمن بن عوف زوجه أم أبي سلمة ابنه بخادم سوداء، وهذه المقادير كلها صدرت عن اجتهاد رأيهم، فلم ينكر بعضهم على بعض ما صار إليه، فدل على أنها موضوعة عندهم على ما يؤدي إليه الاجتهاد، وهي بمنزلة تقويم المتلفات وأروش الجنايات التي ليس لها مقادير معلومة، وإنما ذلك على ما يؤدي إليه الاجتهاد، وهي من مسألة تقويم المتلفات.

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٣٣.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٢٥.


الصفحة التالية
Icon