البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٤١
وانتصاب : بينكم، بالفعل المنهي عنه و : بين، مشعر بالتخلل والتعارف، كقوله :
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ «١» فهو أبلغ من أن يأتي النهي عن شيء لا يكون بينهم، لأن الفعل المنهي عنه لو وقع لكان ذلك مشتهرا بينهم، قد تواطأوا عليه وعلموا به، لأن ما تخلل أقواما يكون معروفا عندهم.
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ختم هذه الآية بهذه الصفة الدالة على المبصرات، لأن ما تقدمه من العفو من المطلقات والمطلقين، وهو أن يدفع شطر ما قبضن أو يكملون لهنّ الصداق، هو مشاهد مرئي، فناسب ذلك المجيء بالصفة المتعلقة بالمبصرات.
ولما كان آخر قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ الآية قوله : فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مما يدرك بلطف وخفاء، ختم ذلك بقوله : وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ وفي ختم هذه الآية بقوله : إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وعد جميل للمحسن وحرمان لغير المحسن.
وقد تضمنت هذه الآية الكريمة والتي قبلها أنواعا من الفصاحة، وضروبا من علم البيان والبلاغة.
الكناية في : أن تمسوهنّ، والتجنيس المغاير، في : فرضتم لهنّ فريضة، والطباق في : الموسع والمقتر، والتأكيد بالمصدرين في : متاعا وحقا، والاختصاص : في : حقا على المحسنين، ويمكن أن يكون من : التتميم، لما قال : حقا، أفهم الإيجاب، فلما قال :
على المحسنين، تمم المعنى، وبيّن أنه من باب التفضل والإحسان لا من باب الإيجاب، فلما قال : على المحسنين تمم التعميم، وبين أنه من باب التفضل والإحسان، لا من باب الإيجاب والالتفات : في : وأن تعفوا، ولا تنسوا والعدول عن الحقيقة إلى المجاز في :
الذي بيده عقدة النكاح، عبر عن الإيجاب والقبول بالعقدة التي تعقد حقيقة، لما في ذلك القول من الارتباط لكل واحد من الزوجين بالآخر.
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ قالوا : هذه الآية معترضة بين آيات المتوفى عنها زوجها، والمطلقات، وهي متقدّمة عليهنّ في النزول، متأخرة في التلاوة ورسم المصحف، وشبهوها بقوله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً «٢» وبقوله : وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً «٣» قالوا :

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١٨٨.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٦٧. [.....]
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٧٢.


الصفحة التالية
Icon