البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٤٢
فيجوز أن تكون مسوقة على الآيات التي ذكر فيها القتال، لأنه بين فيها أحوال الصلاة في حال الخوف، قالوا : وجاء ما هو متعلق بأبعد من هذا، زعموا أن قوله تعالى : لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ «١» ردا لقوله : وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «٢» قالوا : وأبعد منه : سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ «٣» راجع إلى قوله : وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ «٤» الآية قالوا : أو يجوز أن يكون حدث خوف قبل إنزال إتمام أحكام المطلقات، فبين تعالى أحكام صلاة الخوف عند مسيس الحاجة إلى بيانه، ثم أنزل إتمام أحكام المطلقات.
قالوا : ويجوز أن تكون متقدمة في التلاوة ورسم المصحف، متأخرة في النزول قبل هذه الآيات، على قوله بعد هذه الآية : وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «٥» وهذه كلها أقوال كما ترى.
والذي يظهر في المناسبة أنه تعالى، لما ذكر تعالى جملة كثيرة من أحوال الأزواج والزوجات، وأحكامهم في النكاح والوطء، والإيلاء والطلاق، والرجعة، والإرضاع والنفقة والكسوة، والعدد والخطبة، والمتعة والصداق والتشطر، وغير ذلك، كانت تكاليف عظيمة تشغل من كلفها أعظم شغل، بحيث لا يكاد يسع معها شيء من الأعمال، وكان كل من الزوجين قد أوجب عليه للآخر ما يستفرغ فيه الوقت، ويبلغ منه الجهد، وأمر كلا منهما بالإحسان إلى الآخر حتى في حالة الفراق، وكانت مدعاة إلى التكاسل عن الاشتغال بالعبادة إلّا لمن وفقه اللّه تعالى، أمر تعالى بالمحافظة على الصلوات التي هي الوسيلة بين اللّه وبين عبده، وإذا كان قد أمر بالمحافظة على أداء حقوق الآدميين، فلأن يؤمر بأداء حقوق اللّه أولى وأحق، ولذلك
جاء :«فدين اللّه أحق أن يقضى»
فكأنه قيل : لا يشغلنكم التعلق بالنساء وأحوالهنّ عن أداء ما فرض اللّه عليكم، فمع تلك الأشغال العظيمة لا بد من المحافظة على الصلاة، حتى في حالة الخوف، فلا بد من أدائها رجالا وركبانا، وإن كانت حالة الخوف أشد من حالة الاشتغال بالنساء، فإذا كانت هذه الحالة الشاقة جدا لا بد معها من الصلاة، فأحرى ما هو دونها من الأشغال المتعلقة بالنساء.
(١) سورة النساء : ٤/ ١٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١١١.
(٣) سورة المعارج : ٧/ ١.
(٤) سورة الأنفال : ٨/ ٣٢.
(٥) سورة البقرة : ٢/ ١٩٠ و٢٤٤.