البحر المحيط، ج ٢، ص : ٥٤٣
وقيل : مناسبة الأمر بالمحافظة على الصلوات عقيب الأوامر السابقة أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيكون ذلك عونا لهم على امتثالها، وصونا لهم عن مخالفتها، وقيل : وجه ارتباطها بما قبلها وبما بعدها، أنه لما أمر تعالى بالمحافظة على حقوق الخلق بقوله : وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ناسب أن يأمر بالمحافظة على حقوق الحق، ثم لما كانت حقوق الآدميين منها ما يتعلق بالحياة، وقد ذكره، ومنها ما يتعلق بالممات، ذكره بعده، في قوله : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً «١» الآية.
والخطاب : يحافظوا لجميع المؤمنين، وهل يعم الكافرين؟ فيه خلاف.
و : حافظوا، من باب : طارقت النعل، ولما ضمن المعنى التكرار والمواظبة عدى بعلى، وقد رام بعضهم أن يبقى فاعل على معناها الأكثر فيها من الاشتراك بين اثنين، فجعل المحافظة بين العبد وبين الرب، كأنه قيل : احفظ هذه الصلاة يحفظك اللّه الذي أمر بها، ومعنى المحافظة هنا : دوام ذكرها، أو الدوام على تعجيلها في أول أوقاتها، أو : إكمال فروضها وسننها، أو جميع ما تقدّم. أقوال أربعة.
والألف واللام فيها للعهد، وهي : الصلوات الخمس. قالوا : وكل صلاة في القرآن مقرونة بالمحافظة، فالمراد بها الصلوات الخمس.
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى الوسطى فعلى مؤنثة الأوسط، كما قال أعرابي يمدح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
يا أوسط الناس طرّا في مفاخرهم وأكرم الناس أمّا برّة وأبا
وهو خيار الشيء وأعدله، كما يقال : فلان من واسطة قومه، أي : من أعيانهم، وهل سميت : الوسطى، لكونها بين شيئين من : وسط فلان يسط، إذا كان وسطا بين شيئين؟ أو :
من وسط قومه إذا فضلهم؟ فيه قولان، والذي تقتضيه العربية أن تكون الوسطى مؤنث الأوسط، بمعنى الفضلى مؤنث الأفضل، كالبيت الذي أنشدناه : يا أوسط الناس، وذكر أن أفعل التفضيل لا يبنى إلّا مما يقبل الزيادة والنقص، وكذلك فعل التعجب، فكل ما لا يقبل الزيادة والنقص لا يبنيان منه ألا ترى أنك لا تقول زيد أموت الناس؟ ولا : ما أموت زيدا؟
لأن الموت شيء لا يقبل الزيادة ولا النقص، وإذا تقرر هذا فكون الشيء وسطا بين شيئين

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٠.


الصفحة التالية
Icon